للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الله تعالى من علي. (١) ولكتاب الله لأنه يدل في جميع آياته على اصطفاه الأنبياء وأختيارهم على جميع العالم، والعقل يدل صريحا على أن جعل النبي واجب الإطاعة وجعله أمرا وناهيا وحاكما على الإطلاق والإمام نائبا وتابعا له لا يعقل بدون فضيلة النبي عليه، ولما كان هذا المعنى موجودا في حق كل نبي ومفقودا في حق كل إمام أفضل من نبي أصلا بل يستحيل، لأن النبي متوسط بين العبد والرب في إيصال الفيضان إليهم فالذي يستفيض منه لو كان أفضل منه أو مساويا له لزم أن يكون أرفع منه في إيصال الفيض، ومفيضا له أو مشتركا معه في الإيصال، وهذا خلف.

وهم يقولون إن الإمامية نيابة النبوة، (٢) ومعلوم أن مرتبة النيابة لن تبلغ مرتبة الأصالة أبدا فضلا عن أن تفوقها، ومتمسكهم في هذا الباب عدة شبهات واهية ناشئة من عدة أخبار أثبتها متقدموهم في كتبهم فحكموا بموجبها. وقد تبين حال رواتهم ورجالهم وكيفية الحكم بصحة الخبار الصادرة من علمائهم التي لا يستقيم الاحتجاج بها على وفق القواعد الأصولية لأنها معارضة للإجماع القطعي قبل ظهور المخالف، فلا يجوز القول بظاهر تلك الروايات بل يجب أن تؤول. وأيضا هي معارضة للروايات الآخر كرواية الكليني عن زيد بن علي وابن بابويه عن الصادق المذكورة آنفا، وخبر الواحد - وإن كان بلا معارض أيضا - ظني لا يتمسك به في أصول العقائد بل هو عند محققي الشيعة الإمامية كابن زهرة (٣) وابن أدريس (٤) وابن البراج (٥) والشريف المرتضى (٦) وأكثر قدمائهم غير صالح للاحتجاج به، (٧) وقد اختار متأخروهم هذا المذهب، ولهذا لم يعدوا أخبار الآحاد في الدلائل بل أوجبوا ردها خصوصا في الاعتقادات. قال ابن المطهر الحلي في (مبادئ الوصول إلى علم الأصول): إن خبر الواحد إذا اقتضى علما ولم يوجد في الأدلة القاطعة ما يدل عليه وجب رده. (٨) وظاهر أن مدلول هذه الروايات ليس موجودا في الدلائل


(١) روى ابن بابويه عن عمرو بن هارون عن الصادق عن آبائه عن علي بن أبي طالب - عليه السلام - قال: «إن الله تعالى قال لسكان الجنة من الملائكة وأرواح الرسل ومن فيها: ألا إني زوجت أحب النساء إلي إلى أحب الرجال إلي بعد النبيين». الأمالي: ص ٥٥٩؛ تفسير فرات: ص ٤١٣.
(٢) قال الشوشتري: «إن الإمامة نيابة عن النبي في أمور الدين والدنيا، فيعتبر فيها ما اعتبر في النبوة، بل الإمام أحوج إلى ذلك؛ لأن النبي مؤيد بالوحي بخلاف الإمام ... ». الصوارم المهرقة: ص ٢٠٣.
(٣) حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المتوفى سنة ٥٨٥، وللشيعة علماء آخرون من بني زهرة.
(٤) محمد بن إبراهيم الحلي، توفي في شوال ٥٩٨.
(٥) القاضي عبد العزيز بن نحرير، توفي في شعبان سنة ٤٨١.
(٦) علي بن الحسين الموسوي (٣٥٥ - ٤٣٦) وهو أخو الرضي الشاعر.
(٧) كما قرره الطوسي في عدة الأصول: ص ١٠؛ المرتضى في الذريعة إلى أصول الشيعة: ٢/ ٣٨؛ الأنصاري، فرائد الأصول: ص ٣٩.
(٨) مبادئ الأصول: ص ١٣٧.