للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- صلى الله عليه وسلم - في زمنه الشريف تقويم الأود، ومداواة العلل وإقامة السنة وغيرها؟ وهل يعقل أن رجلا مات وترك الناس فيما ترك والنبي - صلى الله عليه وسلم - موجود بنفسه وذاته الأنيسة؟ سبحانك هذا بهتان عظيم وزور جسيم. (١)

وقال البعض: غرض الإمام من هذه العبارة توبيخ عثمان والتعريض به، فإنه لم يذهب على سيرة الشيخين. وفيه: أما أولا فالتوبيخ يحصل بدون هذه الكذبات فما الحاجة إليها؟ وأما ثانيا فسيرة الشيخين إن كانت محمودة فقد ثبتت إمامتها وإلا فالتوبيخ على عثمان بتركها لا ينبغي، وأما ثالثا فهذه من خطبات الكوفة، (٢) فما الموجب لعدم الصراحة بالتوبيخ: «أنا الغريق فلا أخشى من البلل». (٣)

ومنها ما نقله علي بن عيسى الإربلي الاثنا عشري (٤) في كتابه (كشف الغمة في معرفة الأئمة) أنه «سُئل الإمام أبو جعفر عن حلية السيف هل تجوز؟ فقال: نعم، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة. فقال الراوي: أتقول هذا؟ فوثب الإمام عن مكانه فقال: نعم الصديق، نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة» (٥) ومن الثابت أن مرتبة الصديقية بعد النبوة، ويشهد لها القرآن، والآيات كثيرة، منها قوله تعالى {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} ولا أقل من كونها صفة مدح فوق الصالح، وإذا قال المعصوم (٦) في رجل إنه صالح ارتفع عنه احتمال الجور والفسق والظلم والغضب، وإلا لزم الكذب وهو محال، فكيف يعتقد فيه غضب الإمامة وتضييع حق الأمة؟ ولعمرك المعتقد داخل في عموم هذا الدعاء، ويكفيه جزاء. وغاية ما أجابوا أنه تقية (٧) وأنت تعلم أن وضع السؤال يعلم منه أن السائل شيعي، فلم التقية منه وهذا التأكيد؟ وبعضهم أنكر هذا الكلام، والنسخ شاهدة لنا وإن لم يوجد في البعض فالبعض الآخر كاف، والنسخ كثيرة والروايات في هذا الباب أكثر والله أعلم.


(١) أي لا يمكن أن يصح هذا لأحد والنبي - صلى الله عليه وسلم - حي.
(٢) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): ١٢/ ٥.
(٣) بيت للمتنبي: وَالهَجْرُ أقْتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ ... أنَا الغَريقُ فَما خَوْفي منَ البَلَلِ
(٤) من صناديد متعصبي الشيعة في القرن السابع الهجري، له ترجمة في روضات الجنات ص ٣٨٦ الطبعة الثانية.
(٥) كشف الغمة عن معرفة الأئمة: ٢/ ١٤٨. وأخرجه من أهل السنة أبو نعيم، حلية الأولياء: ٣/ ١٨٥؛ وعزاه ابن حجر الهيثمي إلى الدارقطني كما في الصواعق المحرقة: ص ٧٩.
(٦) أي في اعتقاد الخصم.
(٧) قال ذلك نور الله الشوشتري في الصوارم المهرقة: ص ٢٣٦.