للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يورثوهم مما ترك - صلى الله عليه وسلم -، وكذا لم يورثوا أمهات المؤمنين. (١)

وأما قوله تعالى {ورث سليمان داود} (٢) فالمراد النبوة. فقد روى الكليني عن أبي عبد الله «أن سليمان ورث داود وأن محمدا ورث سليمان»، (٣) فقد علم أن هذه وراثة العلم والنبوة، وإلا فوراثة نبينا مال سليمان لا يتصور لا شرعا ولا عقلا، ولو كان المراد وراثة سليمان مال داود فما وجه تخصيصه بالذكر مع أنه كان لداود - عليه السلام - تسعة عشر ابنا (٤) بإجماع المؤرخين، وعلى ما ذكرنا يحمل قوله تعالى {يرثني ويرث من آل يعقوب} إذ لا يتصور أن يكون يحيى وراثا لجميع بني إسرائيل بل هو وارث زكريا فقط فما فائدة ذكر {ويرث} الخ. (٥)

هذا وأما إبقاء الحجرات في أيدي الأزواج المطهرات فلأجل كونها مملوكة لهن لا لكونها ميراثا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنى كل حجرة لزوجة من أزواجه ووهبها لهن فتحققت الهبة بالقبض وهي موجبة للملك كحجرة فاطمة وأسامة، ولذا أضاف الله تعالى البيوت لهن في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله عز اسمه {وقرن في بيوتكن}.

ومنها قولهم أن أبا بكر لم يعط فاطمة رضي الله تعالى عنها فدكا (٦) وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وهبها لها ولم يسمع دعواها الهبة ولم يقبل شهادة علي (٧) وأم أيمن (٨) لها فغضبت فاطمة - رضي الله عنه - وهجرته، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقها: (٩) من أغضبها أغضبني. (١٠)

الجواب أن ليس له أصل عند أهل السنة، بل ذكر البخاري في رواية عروة بن الزبير (١١) عن عائشة رضي الله عنها: طلبت فاطمة رضي الله عنها فدكا من أبي بكر لا بطريق دعوى الهبة بل بطريق الميراث، (١٢) وعلى تقدير تسليم روايتهم فإن الهبة لا تتحقق إلا بالقبض، ولا يصح الرجوع عنها بعد تصرف المتهب في الموهوب، ولم تكن فدك في عهده - صلى الله عليه وسلم - في تصرف فاطمة رضي الله عنها، بل كانت في يده - صلى الله عليه وسلم - يتصرف فيها تصرف المالك فلم يكذبها أبو بكر في دعوى الهبة ولكن بين لها أن الهبة لا تكون سببا للملك ما لم يتحقق القبض فلا حاجة حينئذ إلى شهود، وما زعموا أنه صدر من علي كرم الله تعالى وجهه وأم أيمن محض إخبار، وأبو بكر لم يقض، لا أنه لم يقبل شهادتهما. على انه لو لم يقبلها وردها لكان له وجه، فإن نصاب الشهادة في غير الحدود والقصاص رجلان


(١) فعندما تولى علي الخلافة ترك فدك على ما تركها عليه الصديق، ولم يقسم تركة النبي - صلى الله عليه وسلم - على العباس وأولاده أو على زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٢) وهل يظن بالله أنه يخبرنا أن سليمان ورث حطام الدنيا عن أبيه! ومعلوم كثرة ولد داود لكن سليمان وحده ورث النبوة.
(٣) الكافي: ١/ ٢٢٤؛ الصفار، بصائر الدرجات: ص ١٣٥.
(٤) نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ١٣/ ١٦٤. وروى الكليني وغيره عن الصادق أنه قال: « ... وكان لداود أولاد عدة ... ». الكافي: ١/ ٢٧٨؛ الجزائري، قصص الأنبياء: ص ٣٤٣.
(٥) قال ابن كثير: «يرثني على ميراث النبوة، ولهذا قال: (ويرث من آل يعقوب) كقوله: (وورث سليمان داود) أي في النبوة، إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة». التفسير: ٣/ ١١٢.
(٦) قال ياقوت الحموي: «فدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة، أفاءها الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - في سنة سبع صلحا، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلا ثلث، واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيها عين فوارة ونخيل كثيرة». معجم البلدان: ٤/ ٢٣٨.
(٧) ليس في شيء من كتب أهل السنة بل من اختراع الشيعة.
(٨) روى ابن سعد عن عمر قال: «لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله، بويع لأبي بكر في ذلك اليوم، فلما كان من الغد جاءت فاطمة إلى أبي بكر معها علي، فقالت: ميراثي من رسول الله أبي، فقال أبو بكر: أمن الرثة أو من العقد، قالت: فدك وخيبر وصدقاته بالمدينة أرثها كما يرثك بناتك إذا مت، فقال أبو بكر: أبوك والله خير مني وأنت والله خير من بناتي، وقد قال رسول الله: لا نورث ما تركنا صدقة، يعني هذه الأموال القائمة فتعلمين أن أباك اعطاكها، فوالله لئن قلت نعم لأقبلن قولك ولأصدقنك، قالت: جاءتني أم أيمن فأخبرتني أنه أعطاني فدك، قال: فسمعته يقول: هي لك؟ فإذا قلت قد سمعته فهي لك فأنا أصدقك وأقبل قولك، قالت: قد أخبرتك ما عندي». الطبقات: ٢/ ٣١٥ - ٣١٦. فقد أخبرها الصديق حسب هذه الرواية بأنه يقبل شهادتها إن كانت قد سمعت ذلك بنفسها - رضي الله عنها -، رغم أنه لم يقبل شهادة أم أيمن لوحدها.
(٩) روى البخاري عن المسور بن مخرمة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو على المنبر إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها
(١٠) ابن المطهر الحلي في نهج الحق: ص ٢٦٣.
(١١) في المطبوع (عروة عن ابن الزبير) والتصحيح من البخاري.
(١٢) نقله الآلوسي بالمعنى وهو في صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس: ٢/ ١١٢٦.