للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو رجل وامرأتان. وأما إغضابه إياها فلم يتحقق منه، إذ الإغضاب إنما هو جعل أحد غضبانا بالفعل أو القول قصدا، وكيف يقصد الصديق إغضاب تلك البضعة الطاهرة وقد كان يقول لها مرارا «والله با ابنة رسول الله إن قرابة رسول الله أحب إلي أن أصل من قرابتي» وليس الوعيد على غضبها، كيف لا وقد غضبت على الأمير زوجها مرارا كغضبها يوم سمعت بخطبة الأمير بنت أبي جهل لنفسه حتى أتت أباها - صلى الله عليه وسلم - باكية فخطب إذ ذاك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال «ألا إن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويربيني ما رأبها، فمن أغضبها أغضبني». (١) وكغضبها يوم ذهب الأمير إلى المسجد ونام على التراب ولذلك لقب بأبي تراب، فقد أتاها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال لها: أين ابن عمك؟ قالت: غاضبني فخرج ولم يقل عندي. (٢)

ومع ذلك فقد ثبت عند الفريقين أن غضب فاطمة قد شق على الصديق حتى رضيت عنه، فقد روى صاحب (محجاج السالكين) وغيره من الإمامية أن أبا بكر لما رأى أن فاطمة انقبضت عنه وهجرته ولم يتكلم بعد ذلك في أمر فدك كبر ذلك عنده فأراد استرضاءها فأتاها فقال لها صدقت با ابنة رسول الله فيما ادعيت، ولكني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسمها فيعطي الفقراء والمساكين وابن السبيل بعد أن يؤتي منها قوتكم والصانعين بها. فقالت: افعل فيها كما كان أبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل فيها. فقال: ولك الله على أن افعل ما كان يفعل ابوك. فقالت: والله لتفعلن؟ فقال: والله لفعلن ذلك. فقال: اللهم اشهد. فرضيت بذلك وأخذت العهد عليه. وكان أبو بكر يعطيهم منها قوتهم ويقسم الباقي على من ذكر. انتهى والله الهادي للصواب. (٣)

ومنها أن أبا بكر ما كان يعلم بعض المسائل الشرعية، فقد أمر بقطع يد السارق اليسرى، وأحرق لوطيا، ولم يعلم مسألة الجدة والكلالة، فلا يكون لائقا للإمامة إذ العلم بالأحكام الشرعية من شروط الإمامة بإجماع الفريقين. (٤)

الجواب عن الأمر الأول أن قطع يد السارق اليسرى في السرقة الثالثة موافق للحكم الشرعي. فقد روى الإمام محيي السنة البغوي في (شرح السنة) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حق السارق «إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده،


(١) وهذه المناسبة التي قال بها النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث توضحه، أخرج البخاري عن المسور بن مخرمة قال: «إن عليا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسمعته حين تشهد يقول: أما بعد أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنت عدو الله عند رجل واحد فترك علي الخطبة».
(٢) وهو في صحيح البخاري عن سهل بن سعد قال: «جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت فاطمة، فلم يجد عليا في البيت فقال: أين بن عمك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإنسان: انظر أين هو؟ فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسحه عنه ويقول: قم أبا تراب قم أبا تراب» ..
(٣) وذكر ابن المطهر الحلي في كتابه (منهاج الكرامة) أنه لما وعظت فاطمة أبا بكر في فدك ردها عليها، فسقط الطعن كله من كلامهم. منهاج السنة النبوية: ٦/ ٣٠
(٤) هذه من مطاعن الإمامية في الصديق. ينظر: البياضي، الصراط المستقيم: ٢/ ٣٠٥؛ المجلسي، بحار الأنوار: ٣٠/ ٥١٠.