للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكل ما في القرآن من الوعيد فهو لغيرهم. (١) ولا يخفى أن عقيدتهم هذه تشبه عقيدة اليهود حيث قالوا {لن تمسنا النار إلا أياما معدودة}، {نحن أبناء الله وأحباؤه} ويردهم قوله تعالى {من يعمل سوءا يجز به} وغير ذلك من الآيات والأحاديث المتفق على صحتها عند الفريقين. (٢)

ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن أهل السنة يختارون مذهب أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد ويؤثرونه على مذهب الأئمة الأطهار مع أنهم أحق بالأتباع، لأنهم تربوا في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأهل البيت أدرى بما فيه، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إنى تارك فيكم الثَّقَلَين ما إن تمسكتم بها لن تضلوا بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (٣) وقال - صلى الله عليه وسلم - «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق» (٤) ولأن كمالهم وعلمهم وتقواهم من المتفق عليه عند الفريقين، فهم بالاتباع أحق، وبالاقتداء أليق. والجواب أن الإمام نائب النبي وخليفة لا صاحب المذهب، لأن المذهب طريق الذهاب الذي فتح على بعض الأمة فهم أحكام الشريعة من أصولها، ولذا احتمل الصواب والخطأ، والإمام عندكم معصوم عن الخطأ كالنبي فلا يتصور نسبة المذهب إليه، ومن ثم كان نسبة المذهب إلى الله تعالى والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام من فضول الكلام، ومعدودا من جملة الأوهام. بل فقهاء الصحابة رضى الله تعالى عنهم أفضل عند أهل السنة من الأئمة الأربعة، ومع ذلك لا يعدونهم أصحاب مذاهب، بل إنما يجعلون أقوالهم وأفعالهم مدارك الفقه ودلائل الحكام، وواسطة في أخذ شريعة الرسول - عليه الصلاة والسلام -.

على أن أهل السنة هم المقتدون بالأئمة الأطهار، فإن أئمة مذاهبهم قد أخذوا العلم من أولئك الأخيار، فرتبتهم عند أهل السنة رتبة النبي والأصحاب الكبار، ولكن لا ينسبون أنفسهم إليهم، ولا يدعون أخذ العلم عنهم كما هو حالهم مع الصحابة. وتحقيق هذا المطلب أن منصب الإمام إصلاح العالم في أمر المعاش والمعاد كما هو شأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فالأئمة في زمنهم اشتغلوا في ألهم من بيان ما يحصل به الشفاء من


(١) أورد ذلك ابن المطهر في كتابه منهاج الكرامة بقوله: «إن الإمامية جازمون بحصول النجاة لهم ولأئمتهم قاطعون بذلك وبحصول ضدها لغيرهم وأهل السنة لا يجيزون ولا يجزمون بذلك لا لهم ولا لغيرهم فيكون اتباع أولئك أولى». ونقله عنه ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: ٣/ ٤٨٥
(٢) وقد رد ابن تيمية في منهاج السنة: ٣/ ٤٨٦ عليه وأوفى. ثم قال: «ففي الجملة لا يدعون علما صحيحا إلا وأهل السنة أحق به وما ادعوه من الجهل فهو نقص وأهل السنة أبعد عنه والقول بكون الرجل المعين من أهل الجنة قد يكون سببه إخبار المعصوم وقد يكون سببه تواطؤ شهادات المؤمنين الذين هم شهداء الله في الأرض». منهاج السنة النبوية: ٣/ ٤٩٧.
(٣) رواه الترمذي ٥/ ٦٦٢ عن أبي سعيد الخدري وقال: هذا حديث حسن غريب وابن أبي شيبة ٦/ ٣٠٩ والطبراني في المعجم الصغير ١/ ٢٣٢ وهو ضعيف بهذا اللفظ، قال ابن الجوزي في العلل المتناهية ١/ ٢٦٩: «هذا حديث لا يصح أما عطية فقد ضعفه أحمد ويحيى وغيرهما وأما ابن عبد القدوس قال يحيى ليس بشيء رافضي خبيث وأما عبد الله بن داهر فقال أحمد ويحيى ليس بشيء ما يكتب منه إنسان فيه خير».
(٤) تقدم ضعفه