للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وههنا فائدة جليلة لها مناسبة مع هذا المقام، وهي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إني تارك فيكم الثقلين، فإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدى أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي» وهذا الحديث ثابت عند الفريقين أهل السنة (١) والشيعة، وقد علم منه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا في المقدمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسك بهذين العظيمى والقدر والرجوع إليهما في كل أمر، فمن كان مذهبه مخالفا لهما في الأمور الشرعية اعتقادا وعملا فهو ضال، ومذهبه باطل وفاسد لا يعبأ به. ومن جحد بهما فقد غوى، ووقع في مهاوي الردى.

وليس المتمسك بهذين الحبلين المتينين إلا أهل السنة، لأن كتاب الله ساقط عند الشيعة عن درجة الاعتبار كما سبق قريبا بيانه، وقد روى الكليني (٢) عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله «إن القرآن الذي جاء به جبريل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر الف آية» (٣) وروى عن محمد بن [أبي] نصر (٤) عنه أنه قال: «كان في {لم يكن} (٥) اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء أبائهم». (٦) وروى عن سالم بن سلمة (٧) قال: «قرأ رجل على أبي عبد الله وأنا أسمعه حروفا من القرآن ليس مما يقرأه الناس فقال أبو عبد الله: مه، اكفف عن هذه القراءة واقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم اقرأ كتاب الله على حده» (٨)

وروى الكليني وغيره عن الحكم بن عتيبة (٩) قال: قرأ علي بن الحسين (١٠) «وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدَّث» قال: وكان علي بن أبي طالب محدثا. وروى عن [زيد] بن الجهم الهلالي (١١) وغيره عن أبي عبد الله أن {أمة هي أربى من أمة} ليس كلام الله، بل محرف عن موضعه، والمنزل «أئمة هي أزكى من أئمتكم»

وقد تقرر عندهم أن «سورة الولاية» سقطت، وكذا أكثر سورة الأحزاب فإنها كانت مثل سورة الأنعام فأسقط منها فضائل أهل البيت وأحكام إمامتهم. (١٢) وأسقط لفظ «ويلك» قبل قوله تعالى {لا تحزن


(١) بل ضعفه الإمام أحمد وابن تيمية.
(٢) الكليني عندهم كالبخاري عند المسلمين. فإذا كانت هذه أكاذيب الكليني ورجاله فكيف برواياتهم الأخرى!
(٣) أخرجه الكليني، الكافي: ٢/ ٦٣١. ومعلوم أن القرآن (٦٢٣٦) آية.
(٤) التصحيح من الكافي. قال عنه النجاشي: «وكان عظيم المنزلة عندهما وله كتب»، مات سنة ٢٢١هـ. رجال النجاشي: ١/ ٢٠٢؛ تنقيح المقال: ١/ ٧٧.
(٥) سورة البينة
(٦) الكافي: ٢/ ٦٣١؛ تفسير الصافي: ١/ ٣٦.
(٧) ذكره أبو داود في قسم الموثقين من كتابه (رقم ٦٥٨). معجم رجال الحديث: ٩/ ٢٢.
(٨) الكليني، الكافي: ٢/ ٦٣٣؛ تفسير الصافي: ١/ ٣٦.
(٩) هو أبو محمد الحكم بن عتيبة الكوفي الكندي مولاهم الزيدي البتري النحاس، ذكره ابن أبي حاتم وقال عنه: «مجهول»، قال ابن الجوزي: «إنما قال أبو حاتم مجهول؛ لأنه ليس يروي الحديث، وإنما كان قاضيا بالكوفة». لسان الميزان: ٢/ ٣٣٦. وليس هو الحكم بن عتيبة بن سنان الكوفي الذي ذكر في كتب الرجال عند أهل السنة وحديثه مخرج في الكتب الستة كما في تهذيب التهذيب: ٢/ ٣٧٢. وقد خلط الإمامية بين الحكم بن النحاس قاضي الكوفة وبين ابن سنان الفقيه والمحدث، حيث قال الحلي: «مذموم كان من فقهاء العامة وكان بتريا». أعيان الشيعة: ٦/ ٢٠٩. ولم يخرّج أهل السنة حديثا لابن النحاس، بينما خرج له الإمامية في كتبهم الأربعة أكثر من أربعين حديثا منها ما رواه الكليني بسنده عن الحكم بن عتيبة عن الباقر أنه قال: «إن في الجنة نهرا يغتسل فيه جبرائيل - عليه السلام - كل غداة ثم يخرج منه فينتفض فيخلق الله عز وجل من كل قطرة ملكا». الكافي: ٨/ ٢٨٢.
(١٠) علي بن الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب زين العابدين أبو الحسين الهاشمي المدني - رضي الله تعالى عنه - كان مريضا يوم كربلاء فقال عمر بن سعد: لا تعرضوا لهذا، روى عن أبيه وعمه الحسن وعائشة وأبي هريرة وابن عباس وآخرين قال الزهري: «ما رأيت أحدا كان أفقه من علي بن الحسين لكنه قليل الحديث»، وكان من أفضل أهل بيته وأحبهم إلى عبد الملك، وهو الإمام الرابع عند الإمامية، مات في ربيع الأول سنة ٩٤هـ. طبقات ابن سعد: ٥/ ٢١١؛ تذكرة الحفاظ: ١/ ٧٤؛ تهذيب التهذيب: ٧/ ٢٦٨.
(١١) في الأصل (محمد بن الجهم) والتصحيح من الكافي.
(١٢) تقدم النقل من كتبهم