للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تتضاعف الواجبات، فكذلك المستصنَع المعدوم جعل موجودًا حكمًا للتعامل) (١) وزاد في "فتح القدير" مما اعتبر فيه المعدوم موجودًا: (والرهن بالدين الموعد وقراءة المأموم) (٢).

إذا تقرر هذا فلا داعي للاستدلال على جواز الاستصناع بالاستحسان (٣)؛ لأن القياس لا يأباه، فمخالفته لبعض الأصول ليس أولى من موافقته لأصول أخرى، شأنه في ذلك شأن سائر المسائل الموسومة بمخالفة القياس وليست كذلك، وسبقت الإشارة إليها (٤).

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن الصانع باع ما ليس عنده على غير وجه السلم (٥)، وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ما ليس عندك (٦)، وقد استثني منه السلم لثبوته نصًا، فلا يصح الاستصناع إلا على وجه السلم.

المناقشة:

١. أن الحديث محمول على معنيين: بيع العين المعيّنة غير المملوكة للبائع، وبيع ما لا يقدر على تسليمه وإن كان في الذمة، أما بيع موصوفٍ في الذمة مضمونٍ مقدورٍ على تسليمه عند حلول الأجل فلا محظور ولا غرر فيه (٧).

٢. أن عدم جواز بيع ما ليس عند البائع خاص في ما كان فيه المبيع حالًّا، أما إذا تم البيع على تأجيل التسليم فهو جائز جمعًا بين هذا الحديث وأدلة جواز السلم (٨).

الدليل الثاني: أنه بيع معدوم، وبيع المعدوم منهي عنه.

المناقشة: أن حديث (نهى عن بيع المعدوم) قال عنه في "زاد المعاد": (لا يعرف في شيء من كتب الحديث، ولا له أصل) (٩)، وقال في "إعلام الموقعين": (ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا في كلام أحد من أصحابه أن بيع المعدوم لا يجوز، لا بلفظ عام ولا بمعنى عام، وإنما في السنة النهي عن بيع بعض الأشياء التي هي معدومة، كما فيها النهي عن بيع


(١) ٥/ ٣٥٥.
(٢) ٥/ ٣٥٥.
(٣) الاستحسان: العدول في المسألة عن مثل ما حكم به في نظائرها. روضة الناظر ١/ ٥٠٠، الاستحسان د. يعقوب الباحسين ص ٤١، معجم مصطلحات أصول الفقه ص ٢٠.
(٤) ص ٨٩.
(٥) الفروع ٦/ ١٤٧، الإنصاف ١١/ ١٠٥.
(٦) تقدم من حديث عمرو بن شعيب ص ٥٧، وله شاهدٌ عند الخمسة من حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه -.
(٧) زاد المعاد ٥/ ٧١٨ - ٧٢٠، العقد من الباطن ص ٢٤١ - ٢٤٢.
(٨) الخدمات الاستثمارية في المصارف ٢/ ٥٢٣، وفيه أوجه أخرى من المناقشة.
(٩) زاد المعاد ٥/ ٧١٦ وينظر ما بعده.

<<  <   >  >>