للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض الأشياء الموجودة، فليست العلة في المنع لا العدم ولا الوجود، بل الذي وردت به السنة النهي عن الغرر، وهو ما لا يقدر على تسليمه) (١).

الدليل الثالث: أنه من بيع الكالاء بالكالاء (الدين بالدين)؛ لأن المجيزين له لا يشترطون كون الثمن معجلًا ولا كون المعقود عليه غير مؤجل، فصح تعجيل العوضين وتأجيلهما (٢)، وبيع الكالاء بالكالاء مجمع على تحريمه (٣)، والكالئ: المؤجَّل المؤخَّر، وهو أخص من بيع الدين بالدين المطلق، وهو محل الإجماع على قول.

المناقشة:

١. أن هذا الإجماع معارض بالإجماع العملي على جواز الاستصناع (٤)، فيخصِّصه.

٢. أنه لا دين في الاستصناع؛ لأن المعقود عليه متعين، وليس مضمونًا في الذمة.

الترجيح

الراجح جواز الاستصناع إذا كان الثمن معجلًا، وإذا أريد تأجيل الثمن يُجعل عقد إجارة، ويكون الصانع فيها أجيرًا مشتركًا مع توكيله في شراء المواد (٥)، وهذا أولى من جعله عقد استصناع من جهتين: الأولى أن الاستصناع عقد جائز عند الحنفية خلافًا لأبي يوسف والمتأخرين، أما الإجارة فلا خلاف في لزومها، والثانية أنه لا يوجد دليل على إجازة تأخير البدلين إذا كان المعقود عليه من صنعة الصانع أو العامل البائع، فيدخل في عموم المنع.

سبب الترجيح: ما تقدم من الأدلة ومناقشة أدلة القول الآخر، ومن تعليل في الترجيح.

المطلب الثاني: حكم استصناع الصانع (٦).

صورة المسألة: أن يعقد الطرف الأول مع المصرف -مثلًا- عقد استصناع طائرة، فيعقد المصرف مع جهة أخرى عقد استصناع بمواصفات الطائرة المطلوبة في العقد الأول، فالمصرف صانعٌ في العقد الأول مستصنِعٌ في العقد الثاني، فإذا تسلم المصرفُ الطائرةَ من الجهة الأخرى بمقتضى العقد الثاني قام بتسليمه للطرف الأول بمقتضى العقد الأول.


(١) إعلام الموقعين ٣/ ٢٠٦ - ٢٠٧.
(٢) الخدمات الاستثمارية في المصارف ٢/ ٥٢٤.
(٣) الإجماع لابن المنذر ص ١٣٢، بداية المجتهد ٧/ ١٥٨، ونقله عن الإمام أحمد: ابن قدامة (المغني ٦/ ١٠٦) وابن حجر (التلخيص الحبير ٤/ ١٧٩٨) وغيرهم.
(٤) الخدمات الاستثمارية في المصارف ٢/ ٥٢٤ - ٥٢٦، العقد من الباطن ص ٢٣٩ - ٢٤٠، قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص ١١٦ - ١٢٠.
(٥) ينظر في الفرق بين الاستصناع والإجارة "المعايير الشرعية"، المعيار الشرعي للاستصناع ص ١٩٠.
(٦) ويسمى الاستصناع الموازي أو المتوازي أو الاستصناع من الباطن.

<<  <   >  >>