للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استهلاكٍ أو قرضٍ (١)، وبعضهم قال: هو عبارة عن مال حكمي يحدث في الذمة ببيع أو استهلاك أو غيرهما (٢)، وقيل: كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدًا والآخر في الذمة نسيئة (٣)، والدين أعم من القرض، فإن القرض يشغل الذمة فهو من الديون، وهناك ديون أخرى ليست بقروض كدين السلم وثمن المبيع المؤجل وغير ذلك.

حكم الاستدانة

الاستدانة جائزة؛ لقوله - سبحانه وتعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} البقرة: (٢٨٢)، ولأدلة أخرى.

المطلب الثاني: حكم استدانة المدين، وفيه أربعة أفرع:

الفرع الأول: استدانة المدين غير المعسر.

صورة المسألة: إذا كان على رجلٍ موسرٍ دَينٌ من الديون الثابتة في ذمته فهل يجوز له أن يستدين؟

الحكم:

لا يوجد في الأدلة الشرعية ولا في قواعد الشريعة ومقاصدها ولا في نصوص العلماء - فيما أعلم- ما يمنع من استدانة المدين الموسر، وعموم الأدلة الدالة على جواز الاستدانة تشمله، ومما يمكن أن يُستدل به على الجواز ما رواه عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من مسلم يقرض مسلمًا قرضًا مرتين إلا كان كصدقتها مرة» (٤)، فإنه يعم ما لو قضى وأدى القرض الأول وما لو لم يقضه، فيكون المقترض مدينًا للمقرض قبل القرض الثاني، ولكن ينبغي ألا يرهق نفسه بالدين ويعتاده وألا يماطل وهو قادرٌ على الوفاء، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كثيرًا ما يستعيذ من المغرم وهو الدين فسئل عن ذلك فقال: «إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف» (٥)، والغُرم الدين، وورد في التشديد في الدين نصوص أخرى، وقد يؤول به


(١) حاشية ابن عابدين ٧/ ٤٠٠، وينظر دستور العلماء ٢/ ٨٤.
(٢) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص ٣٠٥.
(٣) أحكام القرآن لابن العربي ١/ ٢٤٧.
(٤) رواه ابن ماجه، أبواب الصدقات، باب القرض (٣/ ٤٩٩ - ٥٠٠) (ح ٢٤٣٠)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب ما جاء في فضل الإقراض (٥/ ٣٥٣ - ٣٥٤)، وقال: (رفعه ضعيف)، وقال الدارقطني: (الموقوف أصح) العلل ٥/ ١٥٧ - ١٥٨، وضعفه البوصيري، وعلته قيس بن رومي: مجهول، وسليمان بن يُسير: ضعيف. ورواه ابن حبان، كتاب البيوع، باب الديون (١١/ ٤١٨) (ح ٥٠٤٠) بنحوه من طريق أخرى وصححه، وحسنه الألباني. الإرواء ٥/ ٢٢٥ - ٢٢٩.
(٥) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام (١/ ١٦٦) (ح ٨٣٢)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة (٢/ ٩٣) (ح ١٣٢٥).

<<  <   >  >>