للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضروريات (١)؛ لذلك نصَّ بعض المالكية على كون المزارعة فرض كفاية (٢)، أي من هذه الحيثية، وليس هو المذهب عندهم.

المطلب الثاني: حكم بيع المبيع، وفيه فرعان:

الفرع الأول: بيع البائع للمبيع.

صورة المسألة: أن يبيع بائعٌ سلعة ثم يقوم بإعادة بيعها لمشترٍ آخر، وقد يكون البيع الأول ناجزًا، أي تم بلا شروط وحصل التفرق بين المتبايعين، وقد يكون غير ناجز، فيحصل البيع الثاني في أثناء مدة خيار الشرط أو خيار المجلس.

الحكم:

إذا تمَّ البيع واستقرَّ فقد انقطعت عُلَق البائع عن المبيع وعُلَق المشتري عن الثمن، فليس للبائع أن يبيع ما لا يملك -إلا إذا تمت الإقالة بين البائع والمشتري الأول، فله أن يبيع السلعة لآخر بعد قبضها من الأول- وهذا مقتضى الفقه في المذاهب الأربعة (٣)، بل نقل أبو العباس ابن تيميّة إجماع المسلمين على عدم جواز بيع البائع لما قد باعه (٤)، وقال ابن حزم: (واتفقوا على أن بيع المرء ما لا يملك ولم يُجِزْه مالكه ولم يكن البائع حاكمًا ولا مُتَنَصِّفًا من حق له أو مجتهدًا في مالٍ قد يئس من ربه فإنه باطل) (٥) والبائع أصبح أجنبيًّا مما باعه، فدخل في هذا الحكم، فهذان إجماعان، أحدهما على تحريمه، والآخر على بطلانه.

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أيما رجل باع بيعًا من رجلين فهو للأول منهما» (٦).


(١) ١/ ٢٠٨، قال: (والبيع والشراء ووجوه الاكتسابات الجائزة كقوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} [البقرة: ٢٧٥] {أحل لكم صيد البحر وطعامه} [المائدة: ٩٦] {أحلت لكم بهيمة الأنعام} [المائدة: ١] وكثير من ذلك، كل هذه الأشياء مباحة بالجزء، أي: إذا اختار أحد هذه الأشياء على ما سواها فذلك جائز، أو تركها الرجل في بعض الأحوال أو الأزمان أو تركها بعض الناس لم يقدح ذلك, فلو فرضنا ترك الناس كلهم ذلك لكان تركًا لما هو من الضروريات المأمور بها، فكان الدخول فيها واجبًا بالكل).
(٢) مواهب الجليل ٧/ ١٥٢.
(٣) قال ابن هبيرة في "اختلاف الأئمة الأربعة" (حُقِّق باسم الإجماع عند أئمة أهل السنة الأربعة) ص ١٠٤: (واتفقوا على أنه إذا وجب البيع وتفرقا عن المجلس من غير خيار فليس لأحدهما الرد إلا بعيب) وعليه فليس له التصرف في ما خرج عن يده بالبيع.
(٤) مجموع الفتاوى ٢٩/ ٢٢٨.
(٥) مراتب الإجماع ص ١٥١، وقال في حد البيع التام الناجز: (واتفقوا أن البيع كما ذكرنا، وقد تفرقا عن موضع التبايع بأبدانهما افتراقًا غاب كل واحد منهما عن صاحبه مغيبَ تركٍ لذلك الموضع، وقد سلَّم البائع ما باع إلى المشتري سالمًا لا عيب فيه، دلَّس أو لم يدلس، وسلم المشتري إليه الثمن سالمًا بلا عيب، فإن البيع قد تمَّ) ص ١٥٠.
(٦) رواه أبو داود، كتاب النكاح، باب إذا أنكح الوليان (٣/ ٢٣) (ح ٢٠٨١)، والنسائي، كتاب البيوع، الرجل يبيع السلعة فيسحقها مستحق (٧/ ٣١٤) (ح ٤٦٨٢)، والترمذي، أبواب النكاح، باب ما جاء في الوليين يزوجان (٢/ ٤٠٣) (ح ١١١٠)، وابن ماجه، أبواب التجارات، باب إذا باع المجيزان فهو للأول (٣/ ٣١٠) (ح ٢١٩٠)، وأحمد (٣٣/ ٢٧٦) (ح ٢٠٠٨٥)، قال الترمذي: (حسن)، قال ابن حجر: (وصححه أبو زرعة وأبو حاتم والحاكم ... وصحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة، فإن رجاله ثقات لكن اختلف فيه على الحسن)، وبين أنه أصح ممن رواه عن الحسن عن عقبة. التلخيص الحبير ٥/ ٢٣٠١، المستدرك ٢/ ١٧٥، وينظر كتاب العلل لابن أبي حاتم ٤/ ١٠.

<<  <   >  >>