للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الرابع: أنه مندوب لمن علم من نفسه الأمانة ومكروه لغيره، وهو مذهب الحنابلة (١).

أدلة مشروعية الوديعة (٢) وجوازها:

قول الله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} النساء: (٥٨)، وقوله - عز وجل -: ... {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} البقرة: (٢٨٣)، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان» (٣)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» (٤)، فيلزم من الأمر بالأداء جواز الإيداع والاستيداع.

المطلب الثاني: حكم إيداع الوديعة.

صورة المسألة: إذا أودعت زيدًا وديعة ليحفظها، فهل يجوز له أن يدفعها لغيره وديعة ليحفظها؟

تحرير محل النزاع:

أولًا: إذا أودعها عند من يحفظ ماله في العادة، كخادمه وزوجته، فإن هذا لا يدخل في الإيداع حقيقةً، وإنما يسمى إيداعًا تجوزًا، وإنما هو حفظٌ بالعقد الأول، وقد أجازه جمهور العلماء إذا لم يمنعه المودِع من ذلك وكان من يحفظ ماله أمينًا (٥)، خلافًا للشافعية (٦).

ثانيًا: إذا دفعها لمن يحفظ مال المودِع عادةً فإن هذا لا يدخل في الإيداع أصلًا، ولكن قد يشتبه به، بل هو من الرد فإذا كان مَن دفعه إليه أمينًا ولم يمنعه المودِع من ذلك فهو جائز عند


(١) كشاف القناع ٩/ ٤٠٣.
(٢) ليشمل الإيداع والاستيداع.
(٣) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق (١/ ١٦) (ح ٣٣)، ومسلم، كتاب الإيمان (١/ ٥٦) (ح ٢١١).
(٤) رواه أبوداود، كتاب البيوع، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده (٥/ ٣٩٣ - ٣٩٥) (ح ٣٥٣٤ - ٣٥٣٥)، والترمذي، أبواب البيوع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب، (٢/ ٥٤٢ - ٥٤٣) (ح ١٢٦٤)، وأحمد (٢٤/ ١٥٠) (ح ١٥٤٢٤)، وقال الشافعي: (هذا الحديث ليس بثابت عند أهل الحديث) سنن البيهقي ١٠/ ٢٧١ وقال أحمد: (هذا حديث باطل، لا أعرفه من وجه يصح) العلل المتناهية لابن الجوزي (ح ٩٧٣)، وبيَّن طرقه وعللها وقال: (هذا الحديث من جميع طرقه لا يصح)، وأنكره أبو حاتم في "العلل" (٣/ ٥٩٤ مسألة ١١١٤)، وقال الترمذي: (حسن غريب)، وقال السخاوي: (أعل ابن حزم حديث أبي هريرة وكذا ابن القطان والبيهقي ... وقال ابن ماجه: (وله طرق ستة كلها ضعيفة) قلت: لكن بانضمامها يقوى الحديث) المقاصد الحسنة ص ٥١، وصححه الحاكم (٢/ ٤٦) وابن السكن، كما في "التلخيص الحبير" ٥/ ٢٠٨٥، وصححه الألباني. الإرواء ٥/ ٣٨١، السلسلة الصحيحة ح ٤٢٣.
(٥) خلاصة الدلائل ١/ ٥٥٦، بداية المجتهد مع الهداية ٨/ ١٥٣، المغني ٩/ ٢٦٠.
(٦) الوجيز ١/ ٤٦٣ - ٤٦٤، حاشية البيجوري ٢/ ١١٨.

<<  <   >  >>