للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدلة القول الثالث:

الدليل الأول: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (إذا أسلفت في طعام فحلَّ الأجل فلم تجد طعامًا فخذ منه عرضًا بأنقص، ولا تربح عليه مرتين) (١).

المناقشة: أنه خالفه ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: (إذا أسلفت في شيء فلا تأخذ إلا رأس مالك أو الذي أسلفت فيه) (٢)، ومعنى أثر ابن عمر أنه ليس له إلا إنجاز السلم أو الإقالة منه، أما بيع المسلم فيه قبل قبضه لبائعه بعرض ونحوه فلا، فغير بائعه بالمنع أولى.

الجواب: قد لا يكون هناك تعارض بين الأثرين، فالمقصود عدم الزيادة.

الرد: بينهما فرق ظاهر، فالأول يجيز أخذ شيء من غير جنس المسلم فيه تكون قيمته أنقص، والثاني يمنع من ذلك.

الدليل الثاني: أن الأصل في المعاملات الجواز والصحة، وليس في المسألة ما يقتضي المنع، كالربا والغرر ونحوهما، كما أنه إذا باع المسلَم فيه بقدر القيمة لم يربح في ما لم يضمن.

الدليل الثالث: القياس على العوض الآخر في السلم، وهو الثمن المقدَّم.

والقياس على بدل القرض والثمن في المبيع، بجامع أن كلًّا من دين المسلم فيه وهذه الأصول دينٌ ثابتٌ، فيجوز الاعتياض عنه (٣).

المناقشة: أن الثمن المقدم في السلم ليس بدين، بخلاف المسلم فيه، فهو دين السلم، فافترقا، ومن أوجه الحكمة في تجويز السلم الإرفاق بالعامل الذي لا يجد رأس المال، فكان لا بد له من مالٍ للتصرف به، وكذلك ثمن المبيع الآجل والبدل المقبوض قرضًا ليسا دينًا، بل كلٌّ منهما عين، فلا يقاس عليها دين السلم، إذ هو دين، وأما بدل القرض المؤجل فمحل خلاف مقرر في مكانه، ثم هو دين مستقر بخلاف دين السلم.

منشأ الخلاف:

الخلاف في هذه المسألة فرعٌ عن الخلاف في مسألة بيع المبيع قبل قبضه.


(١) رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب السلعة يسلفها في دينار، هل يأخذ غير الدينار؟ (٨/ ١٦) (ح ١٤١٢٠)، واللفظ له، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من كره إذا أسلم السلم أن يصرفه في غيره (١١/ ٣٢) (ح ٢١٢٤٣)، قال عنه ابن المنذر: (وثبت عن ابن عباس). مجموع الفتاوى ٢٩/ ٥٠٥ - ٥٠٦.
(٢) رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الرجل يسلف في الشيء هل يأخذ غيره؟ (٨/ ١٤) (ح ١٤١٠٦)، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من كره إذا أسلم السلم أن يصرفه في غيره (١١/ ٣٢) (ح ٢١٢٤٥)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره (٦/ ٣٠ - ٣١)، قال ابن حجر: (بإسناد جيد). الدراية ٢/ ١٦٠، وجاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عند ابن أبي شيبة في الموضع نفسه.
(٣) مجموع الفتاوى ٢٩/ ٥١٩.

<<  <   >  >>