للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حديث يعلى بن أمية - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال: «بل مؤداة» (١).

أدلة وجوب العارية:

الدليل الأول: قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} المائدة: (٢).

وجه الاستدلال: أن الأمر للوجوب متى كانت العارية برًا وتقوى.

المناقشة: أنه ورد صارف له إلى الاستحباب، كما في أدلة القول السابق.

الدليل الثاني: قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (٧)} الماعون: (٧).

وجه الاستدلال: ذم - عز وجل - مانع العارية، والذم لا يكون إلا على ترك واجب أو فعل محرم، والماعون العارية، كما قاله ابن عباس وابن مسعود وأم عطية - رضي الله عنهم - وسعيد بن جبير والطبري، وقال: (وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب -إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبل، وكان الله قد أخبر عن هؤلاء القوم، وأنهم يمنعونه الناس، خبرًا عامًا، من غير أن يخص من ذلك شيئًا- أن يقال: إن الله وصفهم بأنهم يمنعون الناس ما يتعاورونه بينهم، ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق؛ لأن كل ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض) (٢)، وكلام الطبري يشعر بأنه يرى الوجوب عند الحاجة.

المناقشة: أن عليًا وابن عمر - رضي الله عنهم - والحسن وزيد بن أسلم وسعيد بن جبير ومحمد بن الحنفية والضحاك وقتادة فَسَّروا الماعون بالزكاة، كما عند الطبري.

الدليل الثالث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه ذات الظلف بظلفها وتنطحه ذات القرن بقرنها، ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن» قلنا: يا رسول الله وما حقها؟ قال: «إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنيحتها وحلبها على الماء وحملٌ عليها في سبيل الله» (٣).

وجه الدلالة: أن هذا الوعيد لا يكون إلا على ترك واجبٍ، وليس لمعترض أن يحمل الحق في الحديث على الزكاة؛ لأنه لا تفسير بعد تفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكر الإعارة في حقها،


(١) رواه أبوداود، الموضع السابق (٥/ ٤١٩) (ح ٣٥٦٦)، والنسائي في "الكبرى" (٢/ ٨٨٨) (ح ٥٧٤٤ - ٥٧٤٥)، وأحمد (٢٩/ ٤٧١) (ح ١٧٩٥٠)، وصححه ابن حبان (ح ٤٧٢٠) وابن الملقن، وقال ابن حزم: (هذا حديثٌ حسنٌ ليس في شيء مما روي في العارية خبرٌ يصح غيره، وأما ما سواه فلا يساوي الاشتغال به) المحلى ٩/ ١٧٣، وينظر زاد المعاد ٣/ ٤٢٢ - ٤٢٣.
(٢) تفسير الطبري ٢٤/ ٦٦٦ - ٦٧٨، وسنن أبي داود (ح ١٦٥٧)، وسنن البيهقي ٦/ ٨٨، والمحلى ٩/ ١٦٨.
(٣) رواه مسلم، كتاب الزكاة (٣/ ٧٤) (ح ٢٢٩٧).

<<  <   >  >>