قد أخرج الديلمي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرت بهدم الطبل والمزمار". وعن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قعد إلى مغنية يستمع منها، صبَّ الله في أذنيه الآنك يوم القيامة". رواه ابن صَصْرى في أماليه وابن عساكر في تاريخه وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} فقال: الغناء والذي لا إله غيره. رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح وأخرجه الحاكم. نعم؛ لقد أجاز بعض الفقهاء، الغناء إن كان لبعث الهمة على العمل الثقيل، أو ترويح النفس أثناء قطع المفاوز: كالارتجاز، فقد ارتجز النبي وأصحابه في عمارة المسجد، وحفر الخندق، وكالحداء الذي يحدو به الأعراب إبلهم، وكالشعر السالم من الفحش، ووصف الخمر وحاناتها والتشبيب بامرأة معينة، والخالي من هجاء مسلم، وكالغناء لينام الصغار. وقد قسم الإمام الغزالي السماع إلى محبوب: كما إذا غلب على السامع حبُّ الله، وحبُّ لقائه. أقول: وهذا لأفراد من الأمة على قلة ونُزُرٍ، غلب على قلوبهم الشوق والهيام، فلم تبق في نفوسهم بقية حظ ولا هوى، فمثل هؤلاء لا يجوز تقليدهم، والأخذ عنهم من حيث السماع. وإلى مباح: كما إذا كان متعلقًا بزوجته، مصروفًا إليها. وإلى حرام: بأن غلب عليه الهوى المحرم. ومع ذلك فقد خالفه سلطان العلماء الشيخ عزالدين بن عبد السلام. وهذا التفصيل كله إذا لم يكن الغناء لرجل من امرأة أجنبية وإلا لم يقل أحد بحله. ومع ذلك لا يفهم من إفتاء المصنف، بعدم الورود، جواز السماع، وهو ممن قد عُرِفَ في الورع الثاقب، والبعد عن مواطن الشبهة. وقد كتب الأستاذ الفاضل الشيخ محمد الحامد رحمه الله، رسالة قيمة، تحت عنوان: =