للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعائشة - رضي الله عنها - لمَّا تذكَّرت الحديث لم تَكْتُمْهُ، وإنَّما ذكرته لهم، لكنَّهم لم يفهموا أنَّ في الحديث نهياً عن الخروج أو أمراً بالقعود، فليس في حديث النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ما يدلّ على الأمر بالقعود، أو بامتناع الخروج عليها، وإنَّما هو إخبار بالغيب وتنْبِيه لِقَدَرِ الله تعالى، وأنَّ أمر الله واقع لا محالة؛ فلا تثريب عليهم. وما مِنْ شكٍّ أنَّ عائشة - رضي الله عنها - لها فَضْلُ الدَّعوة للإصلاح، والسَّبق إلى الخير.

وفي الحديث دليلٌ قاطع على أنَّ مَنْ خرج معها لم يخرج للقتال، وإنَّما خرج للإصلاح وعلى رأسهم الزُّبير بن العوّام - رضي الله عنه - حواريّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، روى أحمد بسند صحيح عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لمَّا أَتَتْ عَلَى الحَوْأَبِ سَمِعَتْ نُبَاحَ الكِلَابِ، فَقَالَتْ: " مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةٌ، إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ لَنَا: " أَيَّتُكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ؟ فَقَالَ لَهَا الزُّبَيْرُ: تَرْجِعِينَ عَسَى الله - عز وجل - أَنْيُصْلِحَ بِكِ بَيْنَ النَّاسِ" (١).

ولم يسلم الزّبير - رضي الله عنه - إلى يومنا مِنَ الطَّعن والتَّجريح، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنَّة، وأحد السِّتَّة مِن أصحاب الشّورى، وأوَّل مَنْ سَلَّ سيفه في سبيل الله تعالى، شهد بدراً والمشاهد كلَّها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكيف نطعن فيمن تشفع له سوابقه، وقد تقدَّم قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّهُ شَهِدَ بَدْراً وَمَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ الله - عز وجل - اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" (٢).

كما لم يسلم ابنه عبد الله بن الزّبير بن خويلد الّذي كان معه يومها، وهو


(١) أحمد "المسند" (ج ١٧/ص ٣٩٥/رقم ٢٤٥٣٥) وإسناده صحيح.
(٢) البخاري "صحيح البخاري" (م ٣/ج ٥/ص ٦٠) كتاب التّفسير.

<<  <   >  >>