للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويَمْلأ جَنْبَيك أسى أنْ تجد مَنْ يبحث عن مساويهم، ويذكرهم بغير الجميل؛ ليحرِّش عليهم! ولا ينقضي عجبك ممَّن يأتيك بأخبار مصنوعة تخلب القلوب، وآثار موضوعة تُعْظِم الذُّنوب، بألطف القول وأعذبه، وببلاغة بالغة، وزخرفة خادعة، وليس مراده من ذلك الصَّحابة ذاتهم، وإنّما صَرْف النَّاس عن دينهم، فالصَّحابة - رضي الله عنهم - هم نقلة الدِّين، والطَّعن فيهم يتضمَّن ردّ الكتاب والسُّنَّة.

ولذلك قال أبو زُرْعَةَ: "إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَنَا حَقٌّ، وَالْقُرْآنَ حَقٌّ، وَإِنَّمَا أَدَّى إِلَيْنَا هَذَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ يُجَرِّحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَالْجَرْحُ بِهِمْ أَوْلَى وَهُمْ زَنَادِقَةٌ" (١).

فمَن تَغَيَّظ على أصحاب رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد خَابَ وخَسِر، روى الخلّال عن أبي عُرْوَةَ الزُّبَيْرِيّ أنَّهم ذَكَروا عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَجُلاً يَنْتَقِصُ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فقال مَالِكٌ: "مَنْ أَصْبَحَ وَفِي قَلْبِهِ غَيْظٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَقَدْ أَصَابَتْهُ الْآيَةُ: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (٢٩)} [الفتح] " (٢).

هذا ولا يخفى على كلِّ ذي سمع أنَّ أذى الصَّحابة - رضي الله عنهم - والطَّعن فيهم يترتَّب عليه إثم عند الله عظيم، وخزي في الدُّنيا مقيم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٥٨)} [الأحزاب].


(١) الخطيب البغدادي "الكفاية" (ص ٤٩).
(٢) الخلّال "السّنّة" (ج ٢/ص ٤٧٨)، وابن الجوزي مختصراً في "زاد المسير" (م ٧/ص ١٧٥).

<<  <   >  >>