للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يجوز التُّوقُّفُ أو التردُّد في عدالة أحد منهم، فَأَمْرُه - صلى الله عليه وسلم - إيَّاهم بالبلاغ عنه جملة واحدة دون استثناء لا شكَّ فيه نصٌّ صريحٌ على عدالتهم جميعاً.

وفي الحديث تصريح بوجوب تبليغ العلم ونقله وهو من فرائض الكفاية، وهذا ما قَامَ به أصحابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فخير من بلَّغ بعد النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابهلا إله إلا الله، فقد دعوا إلى ما دعا إليه - صلى الله عليه وسلم -، فأدوا الأمانة، وبلَّغوا الرِّسالة، وهذا القرآن الَّذي بين أيدينا، إنَّما نقله إلينا أصحابه لا إله إلا الله، فاجْهَدْ في اتِّباع سبيلهم، ولا تكن مع الجاهلين.

وهذا الصَّحابيّ الجليل عَائِذ بْن عَمْرو - رضي الله عنه - ينصّ على أنَّ الصَّحابة - رضي الله عنهم - كلّهم أجمعون صفوة عدول، روى مسلم أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو، دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ الله بْنِ زِيَادٍ، فَقَالَ: "أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ: إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ؟ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ، وَفِي غَيْرِهِمْ" (١).

فإن احتجّوا على عدم عدالتهم جميعاً بقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)} [الفتح].وتمسَّكوا بأنَّ (مِنْ) في قوله تعالى (منهم) تفيد التَّجزئة والتَّبعيض، أي أنَّ بعضهم وعِد بالمغفرة والأجر العظيم، وليس كلّهم. فهذا كلام مَنْ يجهل اللّغة، فحرف الجرّ (مِن) يأتي على خمسة عشر وجهاً، أحدها بيان الجنس، فالحقّ أنَّ (مِن) في الآية بيانيّة للتّبيين لا للتّبعيض، فهي تبيّن أنّ جنس الصّحابة موعود بالمغفرة والأجر العظيم.

وإنْ احتجّوا بما رواه مسلم عن حذيفة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "فِي أَصْحَابِي


(١) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٦/ ج ١٢/ ص ٢١٥) كتاب الإمارة.

<<  <   >  >>