للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالخلاف يُرْفَعُ بالرّجوع إلى الكتاب والسُّنَّة، وبفهم سلف هذه الأمَّة، والعلماء المخلصين، الَّذين لا يخلو منهم زمان، والَّذين أحال الله تعالى عليهم في كتابه المكنون بقوله: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (٨٣)} [النّساء] وقوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)} [النحل].

وقد رأينا كيف أنَّ معاوية - رضي الله عنه - دعا عليّاً - رضي الله عنه - إلى كتاب الله يوم صفّين، وأنَّ عليّاً - رضي الله عنه - لم يتوقَّف، وإنَّما رأى أنَّه الأولى بذلك، أخرج أحمد بسند صحيح أنَّ عَمْرو بن الْعَاص قال لِمُعَاوِيَةَ:

"أَرْسِلْ إِلَى عَلِيٍّ بِمُصْحَفٍ، وَادْعُهُ إِلَى كِتَابِ الله، فَإِنَّهُ لَنْ يَأْبَى عَلَيْكَ، فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: بَيْنَنَا وَبَيْنكُم كِتَابُ الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)} [آل عمران]، فَقَالَ عَلِيٌّ: نَعَمْ أَنَا أَوْلَى بِذَلِكَ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ الله" (١).

ومن الأمور الّتي يرفع بها الخلاف التَّحكيم، وذلك بأن يُنْتَدب رجلان مرضيّان فيحكمان فيما شَجَرَ بما أنزل الله تعالى، فيوم صفِّين حكَّموا صحابيّين جليلين، وهما أبو موسى الأشعريّ - رضي الله عنه -، وعمرو بن العاص - رضي الله عنه -.

ومِن الأمور الّتي يحسم بها الخِلاف المصالحة والتَّنازل، فقد صَالَحَ الحسن - رضي الله عنه - معاوية - رضي الله عنه - لمصلحة المسلمين، وتنازل له عن الخلافة، قطعاً لدابر الخلاف، وحقناً للدِّماء، وتحقيقاً لِرَجَاءِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " إنّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ


(١) أحمد " المسند " (م ١٢/ص ٣٩٩/رقم ١٥٩١٧).

<<  <   >  >>