للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليلاً، فوضع رداءَه، وخلع نعليه، واضطجع حتَّى ظنَّ أنَّها قد نامت، فكره أن يوقظها خشية أن تستوحش، فأخذ رداءه وانتعل رويداً لئلَّا ينبِّهها، وفتح الباب فخرج، ثمّ أغلقه رويداً، فظنَّت عائشة - رضي الله عنها - أنَّه قد خرج إلى بَعْضِ أُمَّهات المؤمنين في ليلتها، فحملتها الغيرة على أن تلحق به - صلى الله عليه وسلم -.

وكان جبريل - عليه السلام - قد ناداه وأخبره بأنَّ الله تعالى يأمره أن يأتي أهل البقيع فيستغفر لهم؛ فأتى - صلى الله عليه وسلم - أهل البقيع واستغفر لهم، ثمَّ رَجَعَ - صلى الله عليه وسلم - فَرَجَعَتْ عائشة - رضي الله عنها -، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعَتْ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلَتْ، فعَدَا فَعَدَتْ، فسبقته، واضجعت في فراشها، فدخل - صلى الله عليه وسلم - فرأى ارتفاع نفسها وتواتره، فسألها إن كانت هي الشَّخص الَّذي كان أمامه، فأجابته: نعم؛ فجمع كفه - صلى الله عليه وسلم - ودفعها في صدرها، وأخبرها القصَّة، والقصَّة بطولها في صحيح مسلم وغيره.

قالت عائشة - رضي الله عنها -:"لمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا عِنْدِي، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ، ثُمَّ أَجَافَهُ (أَغْلَقَه) رُوَيْدًا، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ، فَلَيْسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: مَا لَكِ؟ يَا عَائِشُ، حَشْيَا رَابِيَةً (١)،

قَالَتْ: قُلْتُ: لَا شَيْءَ، قَالَ: لَتُخْبِرِينِي أَوْ


(١) أي مالك أخذك النَّهِيجُ وارتفاع وتَواتُرُ النَّفَسِ، والرَّابِيَة الَّتِي أَخَذَها الرَّبْوُ وكذلك الحَشْيا ..

<<  <   >  >>