وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)} [مريم] وهذا الثَّناء منهم على أبويها فيه تعريض بها يقتضي ذمَّها، فقد قالوا عليها ما قالوا من الإفك والبهتان، قال تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦)} [النِّساء] حتَّى برَّأها الله تعالى ممَّا قالوا على لسان ابنها عيسى - عليه السلام -، فقد أنطقه الله تعالى وهو في المهد: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)} [مريم]. أمَّا عائشة - رضي الله عنها - فقد خرجت مع النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها، وكان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج إلى سَفَرٍ أقْرَعَ بين نسائه، فأصابت عَائِشَةَ - رضي الله عنها - القُرْعَةُ في غزوة بني المُصْطَلِق، وهي غزوة المُرَيْسِيع، وكانت في شعبان سنة خمس من الهجرة.
وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد بَلَغَهُ أنَّ بني المصطلق يجمعون له، فخرج إليهم بالجيش حتَّى لقيهم على ماء من مياههم يُقَالُ له المُرَيْسِيع، فهزمهم اللهُ ونصره عليهم.
فلمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - من غزوته، وَقَفَلَ راجعاً، واقترب من المدينة، نَزَلَ مَنْزِلاً فَبَاتَ به بعض اللَّيل، ثمَّ آذَنَ بالرَّحيل، فمشت عائشة - رضي الله عنها - حتَّى جاوزت الجيش، فلمَّا قضت من شَأْنِها، رجعت إلى مكان رحلها، فَلَمَسَتْ صَدْرَها فإذا عقدها قد انقطع وانسلَّ من عُنُقِها، وهي لا تدري، فرجعت عوْدَها على بَدْئِها إلى المكان الأوَّل، فالتمست عقدها، فحبسها ابتغاؤه، وكان عقدُها مِن خَرَزِ ظَفَار، وهي قرية في اليمن.