للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَرِمَ بهم الحاضر، فَغَرَضُهم من الطَّعن بأمِّ المؤمنين - رضي الله عنها -، الطَّعن والتَّشكيك في السُّنَّة الَّتي روتها ونقلتها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنَّ الطَّعن في الرَّاوي طعنٌ في المرويِّ، والتَّشكيك في النَّاقل تشكيك في المنقول.

فأمّ المؤمنين عائشة مِن بين السَّبعة المكثرين عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رواية، ومُسْنَدُها - رضي الله عنها - يَبْلُغُ أَلْفَيْنِ وَمائَتَيْنِ وَعَشْرَةِ أَحَادِيْثَ، وانفردت عنهم بأنَّ جلَّ الأحاديث الَّتي روتها تلقَّتها عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مشافهةً، كذلك تناولت السُّنن الفعليَّة لقربها من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وطول ملازمتها له - صلى الله عليه وسلم -، حتّى قِيلَ إِنَّ رُبْعَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْقُولٌ عَنْهَا - رضي الله عنها -.

وهؤلاء الوارثون لابن أبيّ لا يستطيعون إظهار العداوة للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مواجهة، فيجرحون عائشة - رضي الله عنها - محاربة للسُّنن القوليَّة والفعليَّة الَّتي ورثتها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبلَّغتها عنه - صلى الله عليه وسلم -.

ولا يغيب أنَّ في حِرص عائشة - رضي الله عنها - على الحديث، وحفظها وروايتها له وتبليغها عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - منقبة عظيمة لها، فقد كان همّها حفظ الحديث وتبليغه، فوردها النَّاس وتلقُّوه منها، وتاجروا فيه، فربح البيع، وربحت التِّجارة.

هذا وقد دعا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمن سَمِعَ كلامَه ووعاه وبلَّغه بالنُّضرة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " نَضَّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَحْفَظُ لَهُ مِنْ سَامِعٍ" (١).

فأمّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - ممَّن بلَّغ عنه مَنْ غَابَ، وممَّن حظي بهذا الدُّعاء المُسْتَجَاب، وهي ممَّن امتثل قوله - صلى الله عليه وسلم -:


(١) أحمد "المسند" (ج ٤/ص ١٦٢/رقم ٤١٥٧) وإسناده صحيح.

<<  <   >  >>