للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: {ممن ينقلب}؛ مثل: {ليميز الله الخبيث من الطيب} [الأنفال: ٣٧]؛ فقالوا: إن مثل هذا التقييد يدل على أن هذا الفعل للتمييز ــ أي لنميز من يتبع ممن ينقلب على عقبيه؛ وليس هذا ببعيد أن يكون الفعل ضمن معنى «نميز» مع أنه دال على العلم؛ إذ لا تمييز إلا بعد العلم؛ والفعل إذا ضمن معنى فعل آخر فإنه يدل على معناه الأصلي، وعلى معناه المضمن.

وقوله تعالى: {وما جعلنا}: {ما} نافية؛ و {جعلنا} يحتمل أن تكون بمعنى «صيرنا»؛ أو بمعنى «شرعنا»؛ فعلى الاحتمال الأول تحتاج إلى مفعولين؛ وعلى الثاني لا تحتاج إلى مفعولين؛ و «الجعل» يأتي بمعنى الشرع في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} [المائدة: ١٠٣] أي ما شرع؛ وعلى هذا المعنى لا يبقى في الآية أيّ إشكال؛ يعني: ما شرعنا القبلة التي كنت عليها ــ وهي اتجاهك إلى بيت المقدس ــ إلا لنعلم من يتبع الرسول إذا صرفناك عنها ممن ينقلب على عقبيه؛ أما على احتمال أن تكون بمعنى «صيرنا» فإنها تحتاج إلى مفعولين؛ الأول: {القبلة}؛ والتقدير: وما صيرنا القبلة التي كنت عليها قبلةً.

وقوله تعالى: {إلا لنعلم من يتبع الرسول}؛ {إلا} أداة حصر؛ وهذا الاستثناء من أعم الأحوال؛ إذا كان الاستثناء مفرغاً يقولون: إنه استثناء من أعم الأحوال ــ يعني: ما جعلنا بأي حال من الأحوال هذه القبلة إلا لهذه الحال فقط لنعلم من يتبع؛ والمراد بـ {الرسول} محمد صلى الله عليه وسلم؛ وأظهر وصفه في موضع الإضمار تنويهاً بصدقه، وحثاً على اتباعه؛ إذ مقتضى السياق ــ لولا ذلك ــ أن يقال: إلا لنعلم من يتبعه.