يعارض أبا العلاء صاعد بن الحسن اللغوي بقصيدة أولها:
أضاء لها فجر النهى فنهاها ... عن الدنف المضني بحر هواها
وضللها صبح جلا ليلة الدجى ... وقد كان يهديها إلى دجاها
وهي طويلة مستحسنة، فساء الظن بجودة ما أتى به من الشعر واتهم فيه؛ وكان للشعراء في أيام المنصور أبي عامر ديوان يرزقون منه على مراتبهم، ولا يخلون بالخدمة بالشعر في مظانها، فسعى به إلى المنصور، وأنه منتحل سارق لا يستحق أن يثبت في ديوان العطاء، فاستحضره المنصور عشى يوم الخميس لثلاث خلون من شوال سنة اثنتين وثمانين وثلاث مائة، واقترح عليه، فبرز وسبق، وزالت التهمة عنه، فوصله بمائة دينار، وأجرى عليه الرزق، وأثبته في جملة الشعراء؛ ثم لم يزل يسهر ويجود شعره فيما بعد؛ وفي ذلك المجلس بين يدي المنصور أبي عامر محمد بن أبي عامر قال القصيدة المشهورة التي أولها:
حسبي رضاك من الدهر الذي عتبا ... وعطف نعماك للحظ الذي انقلبا
وهي طويلة حسنة عدد فيها المعنى الذي استحضر من أجله، وتكذيب الدعوى التي قذف بها؛ ومنها:
ولست أول من أعيت بدائعه ... فاستدعيت القول ممن ظن أو حسبا
إن امرأ القيس في بعض لمتهم ... وفي يديه لواء الشعر إن ركبا
والشعر قد أسر الأعشى وقيده ... دهراً، وقد قيل: والأعشى إذا شربا
وكيف أظما وبحرى زاخر مطناً ... إلى خيال من الضحضاح قد نضبا