منها، وأقام ببغداذ خمساً وعشرين سنة، ثم خرج منها قاصداً إلى المغرب في سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة، ووصل إلى الأندلس في سنة ثلاثين وثلاث مائة، في أيام عبد الرحمن الناصر؛ وكان ابنه الأمير أبو العاص الحكم بن عبد الرحمن من أحب ملوك الأندلس للعلم، وأكثرهم اشتغالاً به، وحرصاً عليه، فتلقاه بالجميل، وحظى عنده، وقرب منه، وبالغ في إكرامه؛ ويقال إنه هو كان قد كتب إليه ورغبه في الوفود عليه، واستوطن قرطبة، ونشر علمه بها، وكان إماماً في علم اللغة، متقدماً فيها، متقناً لها، فاستفاد الناس منه، وعولوا عليه، واتخذوه حجة فيما نقله، وكانت كتبه على غاية التقييد، والضبط، والإتقان؛ وقد ألف في علمه الذي اختص به تواليف مشهورة تدل على سعة روايته، وكثرة إشرافه، وأملى كتاباً، سماه: النوادر، فيشتمل على أخبار، وأشعار، ولغة. سمع منه جماعات، وحدثوا عنه؛ منهم: أبو محمد عبد الله بن الربيع بن عبد الله التميمي، ولعله آخر من حدث عنه، وأحمد ابن أبان بن سيد؛ وممن روى عنه أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدى، النحوي، صاحب مختصر كتاب العين، وأخبار النحويين، والواضح في النحو، وكان حينئذ إماماً في الأدب، ولكن عرف فضل أبي علي فمال إليه، واختص به، واستفاد منه، وأقر له، وقال: سألت أبا علي عن نسبه فقال: أنا إسماعيل بن القاسم بن عيذون، بن هارون بن عيسى بن محمد بن سلمان مولى محمد بن عبد الملك بن مروان،