للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قسمتُكَ في بقيَّةِ العودِ على ... أن ليسَ لكُم في الفضلِ من قسَّامِ

وقوله:

لا تجزعنَّ إذا نابَتْكَ نائِبةٌ ... فسوفَ تُلقَى قريرَ العينِ جزْلانَا

فالبدرُ بعد محاقِ الجِرمِ تبصرُهُ ... قدْ اكْتسى النورَ بالتَّكميل وازدانَا

وهو من قول ابن السَّاعاتي:

لا تجزعنَّ لأمرٍ سوفَ تُدرِكُهُ ... فليس في كلِّ حينٍ ينجحُ الأملُ

والبدرُ في كلِّ شهرٍ لا لمنْقَصَةٍ ... به يصيرُ هِلالاً ثم يكتملُ

محمد بن زين العابدين الجوهري هو من جوهرٍ منتقى، وما فوق مرقاته مرتقى.

وآباؤه بتجارة الجوهر مشهورون، وبكلِّ ثناءٍ في الألسنة مذكورون.

وهو لك يكن يحترف بالصِّناعة، أو يتَّجر بهذه البضاعة.

بل كان مستغنياً عن جواهر الأحجار بجواهر الكلام، ومكتفياً عن جامد العسجد والنُّضار بالذَّائب من رشحات الدُّوِيّ والأقلام.

وله أشعار نثر في أرض الذَّهب جُمانها، وأطلع من سِلك السُّطور ياقوتَها وبهرمانَها.

فمما ينسب من صِحاحِها للجوهري، ويروى من تهذيب مفرداتها عن الأزهري قوله:

باكِر رياضَ النَّيربين وماسِها ... وانظُر إلى الأزهارِ في أجناسِها

ما بينَ زنْبقَها الأنيق ووردِها ... وبديعِ نرجِسِها الغَضيضَ وآسِهَا

وترنُّمِ الأطيارِ فوقَ غُصونِها ... تروِي لطيفَ اللَّحنِ عن عبَّاسِهَا

جمعتْ كعانِي اللُّطفِ في ألحانِها ... وبيانِ منطِقها وحُسنِ جِناسِهَا

تُغنيكَ عن صوتِ المثَانِي عنْدمَا ... تشدو بِرَوْنقِها على جلاَّسِهَا

فترَى الغُصونَ لِما بِها من نشوةٍ ... تهوِي إليكَ من السُّرورِ براسِهَا

طافَ الغديرُ بِها فأثمَرَ فرْعُها ... وغدا يُخَبِّرُنا بأصلِ غِراسِهَا

وسرَتْ بها ريحُ الصَّبَا فتأرَّجَتْ ... جُلَساؤها بالطِّيبِ من أنفاسِهَا

فانهضْ نَدِيمي نصطَبِحُ في ظِلِّها ... ودَعِ المناصِبَ في الزَّمانِ لِناسِهَا

وأجِلْ لِحاظَ العينِ في أرجائِها ... واجْلِ القلوبَ الصُّدْيَ من وسواسِهَا

واسْتخلِ باللَّذاتِ بين رِياضِها ... واسْتَجْلِ بِكراً أُفرِغَتْ في كاسِهَا

عذراءُ واقَعَها المِزاجُ فأنْتَجَتْ ... أطفالَ دُرٍّ لم تُشَنْ بِنِفاسِهَا

شمسٌ تُريكَ سَناً إذا ما أُغرِبتْ ... في فيكَ أوْلتكَ القُوَى بِشماسِهَا

تَذَرُ الذَّليلَ عَزِيزَ قومٍ في الورَى ... بلطيفِ مَسْراها وشدَّةِ باسِهَا

من كفِّ مُعتدِلِ القوامِ إذا مشَى ... بينَ الغُصونِ قضَى على ميَّاسِهَا

أو ماسَ في أهلِ البَهَا ضُرِبَتْ له ... أخماسُها بالقهرِ في أسداسِهَا

ما جيدُ غِزلانِ الصَّريمِ إذا انْثَنَى ... وإذا رَنَا ما لحظُ ريمِ كِناسِهَا

للعينِ فيه تَفَكُّهٌ لكنْ إذا ... بصُرتْ بِه غابتْ جميعُ حواسِهَا

قمْ يا حبيبي لا برِحْتَ مُمَتَّعاً ... داوِ القلوبَ من السِّقامِ وآسِهَا

واسْمحْ وآنِسْ باللِّقا يا منْيَتِي ... ما زالتِ الأيَّامُ في إينَاسِهَا

وقوله:

بالَّذي أودَعَ لحظيْ ... كَ حبيبَ القلبِ حَتْفَا

وسقَانِي منْهُما ... كأساً سريعَ السُّكرِ صِرفَا

وحَبَا خَدَّكَ ورداً ... وحَبَا شكْلَك ظرْفَا

جُدْ على صَبٍّ كئِيبٍ ... ذِي أُوارٍ ليسَ يُطفَا

ولمحمد الحرفوشي من هذا الأسلوب:

بالَّذي أنشاكَ فردَا ... وكسَا خَدَّيكَ وردَا

والَّذي أعطاكَ حُسْناً ... فاتَ أهلَ الحُسنِ حَدَّا

والَّذي أوْلَى فُؤادِي ... مِنكَ إعراضاً وصَدَّا

صِلْ مُعَنًى فيكَ يقضِي اللِّ ... يْلَ تسهيداً ووَجدَا

<<  <  ج: ص:  >  >>