هي الغايةُ القُصوى فإن فات نَيْلُها ... فكُلٌّ من الدنيا علىَّ حَرامُ
؟ السيد يحيى الصادقي
غرة في جبهة الفخر، ينفلق عنها لألاء الفجر.
أساريره على فرحة الحمد مشرفة، وصحيفتاه ما زالا يطلعان ورد المعرفة.
أحسن في هذه الحلبة السباق، وكان له في روضة الأدب الاصطباح والاغتباق.
ولذاته المحاسن أجمع، وبمثله لم يتمتع منظر ومسمع.
إلى ما حواه من مطارحةٍ معسولة، ومعاشرة من وسخ الرياء مغسولة.
مرآة طبعه عن أسرار المعاني تشف، وورد رويته عليه طيور القلوب ترف.
وله أشعار أسوغ من السلاف وألطف، وأدق من السحر يجول في لحظ شادنٍ أو طف.
تعد كلاما وهي تجتلى بين الندام، فيتسلى بها فؤادٌ ما تسليه المدام.
وقد أوردت من نادرها الغريب، ما يتحير من كيفية تخيله الفطن الأريب.
فمنه قوله:
ولم أشْربِ الخمرَ الحرام تعمُّداً ... ولكن دعتْينِه الضرورةُ فاعْلمِ
تخيَّل لي في كأسِه عند مَزْجِه ... بكفِّ الذي أهْواه هيئُة أرْقَمِ
فخِفْتُ عليه منه لَدْغة ضائرٍ ... فأوهمْتُه وَكْراً وأدخلتُه فمِي
وقوله في تشبيه النرجس:
انْظُر إلى النَّرْجِس لمَّا بدا ... معتدلَ القامِة كالصَّوْلَجانْ
كأنه كفُّ عُقابٍ هوَتْ ... فاختطفتْ تاج أنُوشِرَّوانْ
قلت هذا تشبيهُ، ماله شبيه، غير أنه شدد فيه راء شروان، وهو من غلط الخواص.
وهذا اللفظ فارسي معرَّب، تكلمت به العرب، وأصله نور شروان، ومعناه الأسد الجديد، وهو وصف لكسرى.
قال عدي ابن زيد:
أين كسرى كسرى الملوك أنُوشِرْ ... وانَ أم أين قَبلَه سابورُ
وقد يعتذر عن تشديده بما قاله في مثله العصام: وللعرب التصرف في ألفاظ العجم، ولهذا يقال: هو أعجمي فالعب به ماشئت.
وولاه بعض القضاة نيابة محكمة تعرف بالسيد خان، فكتب إليه:
أصبحتُ مع الشمسِ بُبْرجِ المِيزانْ ... إذ أنْزلِني الهمامُ بالسَّيِّد خانْ
لكن وعُلاكَ كلُّ مَن ناب يَخُنْ ... والعبد يعافُ كلمةَ السيِّد خانْ
وحكى لي شيخنا المهمنداري، مفتى الشام، أن الصادقي حضر مع جماعة من الأدباء، منهم البديعيّ، وعبد القادر الحمويّ، في مجلس السيد أحمد بن النقيب، في ليلة شاتية تكاد نارها تخمد، وأفكار القلوب فيها تجمد.
والمجلس قد احتبك، وأرميت لمصائد الأفهام الشَّبك.
وبينهم بدر ترمقه المقل، فتجرح منه مواضع القبل.
إذا تلهّبت نيران خدّيه تراءت بها جنات النعيم، يدور عليها عقرب صدغه الليلي فكم من سليمٍ منها في ليل السقيم.
فجيء بمنقل شُبّ ضرامه، كما شُبّ في كل قلب منهم غرامه.
فما حصل حتى بدِّدت ناره عن عثرة، وأصلي منها ذلك الحفل ألف جمرة.
فقال الصادقيّ فيه:
ضَمَّنا مجلسٌ لتاجِ الموالِي ... عالمِ العصر بِكْرِ هذا الزمانِ
غُرةُ الدهر أحمدٌ ذو الأيادِي ... وابنُ خيرِ الأنام من عَدْنانِ
بفَريدِ الحسان خَلْقاً وخُلْقاً ... عَنْدلِيبِ الإخوانِ نورِ المكانِ
فاشْتَهى كلُّنا زَفافَ عروسِ الْ ... حُسنِ تُجْلَى في لونِها الأُرْجُوانِ
فانْثنَى كالقضيبِ تفْديه نفْسِي ... عابثاً بالسِّياطِ والمُجَّانِ
فأصاب الكانُونُ سَوْطٌ فطار الْ ... جمرُ من وَقْعِه على الإخوانِ
فسألْنا ماذا فقال نِثَارُ الْ ... حبِّ جمرٌ لاَ جَمرةٌ من جُمانِ
واعْتراهُ الحيَا فأخْمدها مِن ... غير بُؤْسٍ بساعدٍ وبَنانِ
ففرِقْنا عليه منها فنَادَى ... وكذا النورُ مُخْمِد النِّيرانِ
وقال أيضاً:
لاَمُوا الذي حاز لُطفاً ... وبَهْجةً وجَلالَهْ
إذ بدَّد النارَ عمداً ... ليلاً وأبْدى الخَجالَهْ
وصاغ في البُسْطِ شُهْباً ... إذْ كان بدراً بِهالَهْ
وكفَّل الطَّفْيَ يُمْنا ... هُ تارةً وشِمالَهْ
كذلك الشمسُ تُدْنِي ... لكلِّ نَجْمٍ زَوالَهْ