للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيَر أني أعلِّلُ النفسَ عنها ... بالأماني الكِذابَ وَهْماً ووَهْنَاَ

أتمنَّى تلك الليالي المُنِيرا ... تِ وجهدُ المُحبِّ أنْ يتمنَّى

وله يخاطب مليحا مرض:

يا من تَعالاه السَّقا ... مُ لقد حكيْتَ بذاك جَفْنَكْ

إذ صار يا بدَر السَّما ... ءِ مُضاعِفاً ذا الضعفُ حُسْنَكْ

لم ينتقِصْ بالسُّقْمِ حُسْ ... نُكَ سيِّدي والّلهِ إنَّكْ

يشير إلى قول ابن سناء الملك في مليح شفه السقام:

أشْبَهْتَ جسمِي نحولاً ... فهل تعشَّقْتَ حسنَكْ

وكان حَفْنُك مُضنيً ... فصرتَ كلك جَفْنَكْ

وزادَك السُّقْمُ حسناً ... واللهِ إنَّك إنَّكْ

وللسيد محمد ثلاثة أبناء، كثلاثة هقعة الجوزاء، وإن أربوا عليها في السنا والسناء:

[السيد عبد الرحمن]

هو في السن يكبرهم، وفي الأخذ بأطراف الشعر يكثرهم.

ومكانه منهم الأخطر الأنفس، وصبح الفضل عن ابتهاجه يتنفس وذاته شغلٌ للحب الواجد، وشأن القلوب في محبته القلب الواحد.

قطف الكلام لما نور، ورتب محاسن البديع في درر كلماته وطور.

وقد فجعت به بنو الآداب في ميعة شبابه، وفقدت منه سيداً ألم بخالصة الأدب ولبابه.

فلا عذر للدمع إن لم يساجل عليه المزن، ولا للنفس إن لم تعاشر في مصابه الحزن.

وأرجو الله سبحانه، أن يمنحه روحه وروحانه.

وكنت صحبته أياماً، نبهت فيها حظوظاً نياما.

فما زلت أتروح نسيم لطفه وأنتشقه، واوقول فيه ما يقول المفتون فيمن يعشقه.

وكان أتحفني من أشعاره بطرق تروى تنقل، وبمثلها يجلى القلب من صداه ويصقل.

وها أنا ذا أورد منها ما نلتزمه، ونترك عنك درر البحور، فإن بها زينة الصدور، وتلك بها زينة النحور.

وكل ما أذكر له إما تشبيه زهراً وزهر، أو وصف روض يطل على نهر.

وهو ممن أغرى بهذين النوعين، فأتى منهما بجمل متكاثرة، ونظم فيها بدعاً أضحت لها عقود الترائب متناثرة.

وذلك إما لميلٍ غريزي في فطرته، أو لأن دمشق متروح فكرته.

وحسبك من طبعٍ لو كان للسحب صيرت الزمان فصل الربيع، وفكرةٍ لو كانت للنجوم السيارة جرين سعداً أكبر في التربيع.

ويكفيك من متروح تنفتح العين منه على بهجةٍ ونضارة، ومسرحٍ ينجلي القلب منه بجدة وغضارة.

فمن ذلك مقامته الربيعية، كتبها للأمير حمزة الدفتري، بدمشق، وقد احتوت على معظم تشبيهات الزهور.

وهي:

إلى روضةِ الآداب رَيْحانة النَّدِّ ... تَحايا حِفاظٍ حرَّكتْها يدُ الوُدِّ

فجأتْ كأنفاسِ الرَّياح تسحَّبتْ ... على رَشَحاتِ الطَّلِّ من وَجْنة الوردِ

هذا، وقد عن للخاطر يا سيدي أن يزف إليك بوادره، ويجلي عليك نوادره.

إذ لا بد للنفوس أن تمرح، وللنوادر أن تستباح وتستملح.

وقد أشعرت أني دفعت إلى المناجاة الفكر الفاتر، عند قلة المحادثة والمناظر.

فخطابني في ابتكار النخب، وأغراني بافتراع أبكار الأدب.

وقال: ما تقول في دعابة تقلص ذيل الوقار، وتزرى بأكؤس العقار.

فقلت: إيه، يا نبيه، ثم لزمت الإصاخة لتلقيه.

فسلك بي طريقاً من الواهمة، كأنما أعده لهذه المنادمة.

فأفضى إلى روض مندي، كأنما تجلل بالنعيم وتردى.

وقدر فرشت ملاءة النور، على ميادنيه، وحرشت أيدي النسيم بين رياحينه.

يخترقه نهرٌ كأنما يسيل من درة، أو ترقرق من عبرة.

وعليه درةٌ من الفواقع منظوم، وبسماطيه وشيءٌ من الأزاهر مرقوم.

فمن نرجس نعته الفتور، ووردٍ كأنما انتزع من أوجه الحور.

وأقاحٍ كأنه ثغر الحبيب بلا مر، وقصور من العسجد السبيك مشرفة الذرى.

وياسمين كأنه أثل الأبكار، أو صلبان من الفضة صغار.

وبنفسج كأنه العوارض الطريرة، أو رصة القرط في سالفه مهمومةٍ غريرة.

وشقيقٍ كأنه أقداح العقيق، قد رسب بقرارتها مسكٌ فتيق.

وآذريون كأنهن مداهن عسجد، على سواعد زبرجد.

قد ضمخت أوساطها بغالية، وسماوتها من ذاك خالية.

وسوسان كبياض السوالف، أو جياد الوصائف.

وترنجان كأنها وشمٌ على زنود، أو بساط سندسٍ ممدود.

ومردقوش كأنما مفروقة آذان خرد، ومجموعة صرحٌ من الزمرد ممرد.

وريحان يعده النديم ليوم الفراغ، ويحكيه الحبيب بسلاسل الأصداغ.

<<  <  ج: ص:  >  >>