قد مشَتْ نَحْوه على فَرْدِ ساقٍ ... شجرٌ حَثَّها له اسْتدعاءُ
لو حَبَاها ساقيْن رَبُّ البَرايَا ... لم تكنْ للفِراقِ قطُّ تشاءُ
وللسيد علي بن معصوم:
سقَى صَوْبُ الغَمامِ عَرِيشَ كَرمٍ ... جَنَيْنا من جَناه العَذْبِ أُنْسَا
فأمْسَى عاصرُ العُنْقودِ منه ... يُكسِّر أنْجُماً ويصوغُ شَمْسَا
وللسيد محمد بن حيدر:
إذا اصْطنعْتَ أمْراً فاحْفَظ له أبداً ... شَرْطَ الصَّنِيعة واجْهَدْ في مَنافعِهِ
فالماءُ في صَوْنِه الأخشابَ عن غَرقٍ ... رعَى لها حيث كانتْ من صَنائعِهِ
ولي:
إذا كان الهوى لي تُرْجُمانَا ... يُعبِّرُ عن خَفِيَّاتِ الغرامِ
فأقْنَعُ بالإشارةِ من حبيبي ... فما فيه مَحلٌّ للكلامِ
ولي:
قد هَوَّل الواعظُ في درسهِ ... أمْرَ الورى في مَوْقفِ الحشْرِ
وهْو إذا حقَّقتَ ألْفَيْتَه ... كنايةً عن مَضَضِ الهَجْرِ
الباب الخامس
في لطائف لطفاء اليمن
حلية الأرض ونقش فص الأماني، الواصلون في الروع خطومهم بكل رقيق الشفرتين يماني.
ما منهم إلا كتب المسند، وحدث عن العلياء وأسند.
وإذا طاول المدى جياد الشعر في الميدان، مسحوا منه بغرة أبلق ليس في حومة السبق من مدان.
وخصوصاً أئمتهم الذين اعتلى بهم بيتٌ للإسلام ومنار، وكاد يضيء بهم ولو لم تمسسه نار.
طالوا بسوقاً، وأحرزوا الحمد مطرداً منسوقاً.
وهم من منذ كان عليهم احتواؤه، تنوسيت بهم أقياله وأذواؤه.
[ذكر بني القاسم الأئمة]
دعاة هذا الإقليم ورعاته، الذين حفظوه بعون الله من نكباته وروعاته.
وهم الحسن، والحسين، ومحمد، وأحمد، وإسماعيل، الإخوة البدور، الذين أقروا العيون وشرحوا الصدور.
الراسخون علوماً، الباذخون حلوماً.
سَمَوْا للمَعالي وهمْ صِبْيةٌ ... وسادُوا وجادُو وهم في المُهودْ
ونالُوا بجِدِّهمُ جَدَّهُمْ ... فإن الجدودَ عُلاً للجُدودْ
تبحبحت أطرافهم في روضة الرسالة، وتهدلت أغصانهم على نبعة البسالة.
وقد سخر الله لهم الفصاحة حتى انقادت في أعنتهم، ووهبهم البراعة حتى عرفت في أجنتهم.
فأكبرهم: الحسن الحسن الروية والروا، الذي وسع جوده عامة الورى.
فاستعاروا في مدحه الزهر من لفظه والبرد من صنعائه، متخيرين المسك من ثنائه، وعرف القول من دعائه.
لئن حاز جُوداً لا تفارقُه يَدٌ ... فقد حاز شُكراً لا يُفارقُه فَمُ
وهو الذي مهد البلاد، وأحكم أمر الطارف في مجدهم والتلاد.
بجدٍ لو تعرف إليه الجماد لنطق متكلما، أو تظلم إليه النهار من الليل لم يدع شيئاً مظلما.
وفضلٍ استعد له واعتد، ورأيٍ امتد به ساعده واشتد.
يهز للمدح عطفا، وينساب مع الماء رقةً ولطفا.
ومع هذا فهو في الحرب الليث الهصور، والشجاع الكرار فلا يحوم حوله التراخي والقصور.
إذا مضت في الأعداء بواتره، تقدمتها في الظفر بوادره.
أنهضه الله بطاعته، وزاد في قوته واستطاعته.
فاستخلص اليمن من قومٍ فتكوا فيه وعاثوا، وطغوا على أهله حتى استغاثوا من شرهم فلم يغاثوا.
وقبض على أناسٍ كانوا ممن توغل في حربه، ثم أطلقهم محتسباً بالعفو عنهم عند ربه.
وذلك بعد حروبٍ كاد يعلق بشرها ذمامه، ويرشق إليه منها حمامه.
حتى استقام له الأمر، وخمد ذلك الجمر.
وتم له من المراد ما اقتراحه، ومن الزناد ما اقتدحه.
فتمهدت له أخياف الهمم، وخضعت له عوالي القمم.
فقام الناس إلى مشايعته، والتفيؤ بظل متابعته.
فعاملهم أحسن معاملة، وأعطاهم محاملةً عوض مجاملة.
ولما بان هدوه، وبان حاسده وعدوه.
عمد إلى الجبل المسمى بضوران، فاختط به مدينةً أبدعها مساكناً وأوطانا، ودبجها رياضاً وغيطانا.
واتخذ بها مساجد يتقرب بها المتقرب، ورباطاتٍ يأوي إلى ساحتها المتغرب.
فوقعت في ذلك الموضع موقع العروس من منصتها، واقتطعت من الأفق السامي بمقدار حصتها.
وله غيرها مما يدل على رأيه الصائب، وقوة فكره التي يفل به جيش المصائب.