لن يبُلغ المدحُ فيك غايَته ... بل دون مَعْناك تنفَدُ الكلِمُ
أنت الذي تُرتجَى مكارمُه ... وكم أناسٍ وجودُهم عَدَمُ
أنت الذي الدهرُ دون هِمَّتِه ... وفوق هامِ السَّما له قدمُ
مَن ذا يُضاهِيك هِمَّةً وعُلا ... وهل تَساوَى الأنوارُ والظُّلَمُ
طَوْدُ وَقار بالحِلْم مُشتِملٌ ... بحرُ نَوالٍ بالجود مُلتطِمُ
يُخجِل صَوْبَ الغمام نائلُه ... بل دون هَتَّان كفِّه الدِّيَمُ
أعْتابُه مَأمَنٌ لداخلِها ... من كلِّ هَوْلٍ كأنها حَرَمُ
وله أيضاً:
بأيِّ لسانٍ يحصُر العبدُ شكرَ من ... دَمِى من أيادِيه ولحمِى وأعْظُمِى
ومَن عشتُ دهَراً تحت أكْنافِ ظِلِّه ... أروح بأفْضالٍ وأغْدُو بأنْعُمِ
وفُزْت بعلمٍ منه عَزَّ اكْتسابُه ... وذاك لَعَمْرِي حسرةُ المتعلِّمِ
ينزِّهنِي في ظاهرِي وسَرائرِي ... بإرْشادِه عن كل رَيْبٍ ومأْثَمِ
ويمنْحني مَحْضَ النصيحِة جاهداً ... يُعلِّمني طُرْقَ العُلى والتَّكرُّمِ
ولولاه مَن عبدُ اللطيف ومَن له ... ومن يخدِم الأمْجادَ يشْرُفْ ويكرُمِ
وحسبِيَ من شكرِي اعْترافي بفضِله ... وتصديقُ قلبي والجوارِح والفمِ
وله أيضاً:
مَعاذَ الوَفا أن يُصبح العبدُ خاليَا ... عن الشكرِ للمولى الذي قد وفَا لِيَا
وأنْعمَ حتَّى لم يدعْ ليَ مَطلبَا ... وأنْكَى بما أسْدَى إلىَّ الأعاديَا
وكلُّ الذي أمَّلْتُه من نَوالِه ... حَظِيتُ به بل فوق ما كنتُ راجِيَا
وفرَّغ عن قلبي سوى حُبِّه الذي ... تمكَّن في قلبي وأنْعَم بالِيَا
فغايةُ سُؤْلِي في الزمان رِضاؤُه ... فأقْصى المُنى أن كان عنِّي رَاضيَا
ولي نفسُ حُرٍّ قد أبتْ غيرَ حُبِّه ... وحاشا لمْثلى أن يُرَى عنه سالِيَا
وقلبٌ إذا ما البرقُ أوْمَض مَوْهِنا ... قدحْتُ به زَنداً من الشوق وارِيَا
تحكَّم فيه حبُّه واشْتياقُه ... له الحكمُ فْليَقْصِ الذي كان قاضيَا
فلله عيشٌ مَرَّ لي بظِلالِه ... أجُرُّ به ذيلَ المآربِ ضافِيَا
أرُوح بأفْضالٍ وأغْدُو بأنْعُمٍ ... ويمْنحني وِرْدَ المحبَّة صافيَا
وفُزتُ بعلمٍ منه عزَّ اكْتسابُه ... وأصبحتُ من حَلْىِ الفضائل حالِيَا
إذا ما دجَى بحثٌ وأظلم مُشكلٌ ... أضاء بنور الفكر منه الدياجِيَا
يجول على نُجْبِ الذَّكاءِ بفكْرةٍ ... أَبَتْ في الذي تُبدِيه إلاَّ التَّناهِيَا
يُغادر قدماً ذا الذكاء دقيقُها ... ولا عجبٌ فالشمسُ تخفِى الدَّرارِيَا
يفُوق على البحر الَخِضمِّ بعلمِه ... ويرْجَح في الحِلم الجبالَ الرَّواسِيَا
يُسابق أجْنادَ الرياحِ إلى الندَى ... ويفضحُ جَدْوَى راحتْيه الغوادِيَا
نظمتُ له عِقْدَ المديح مُنضَّداً ... جعلتُ مكان الدُّرِّ فيه القوافيَا
فلا زال مَلْحوظاً بعينِ عِنايةٍ ... من الله في أَوْج المفاخر راقيَا
مدى الدهر مالاحت بُروق لناظر ... ودام على كرِّ الجديدين باقيا
[حسن بن درويش الكاتب الطرابلسي]
شاعر مادح، طير فصاحته صادح، وزند براعته قادح.
ومنشٍ كاتب يجلو دمىً كواعب، بألباب الرجال لواعب.
خطه حسن كاسمه، وله القيام على رسم الأدب ووسمه.
فكأن مداده مركب من أجزاء القلوب، ففي كل قلبٍ من خطه شهوة تدعو إلى المطلوب.
وكان خرج من بلده حماة وهو كهل، ورحل بطرابلس بين كنف رحب، ومسرحٍ سهل.
فاسترجع بها شبابه، واستمطر وبله وربابه.
فزهت به أرجاؤها وباهت، وفخرت بها سكانها وتاهت.