للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُحاول منِّي أن أرُدَّ جوابَها ... وفِكْرتيَ اسْتولى عليها قَتامُها

وقد لعبتْ أيْدي المشيب، بمَفْرقِي ... وتوَّجَنِي دُرًّا يسوءُ انْتظامُها

رعى الّلهُ أيامَ الشبابِ وعهدَه ... وأوقاتَ أُنْسٍ ليت عمريَ عامُها

وحيَّى لُيَيْلاتٍ مضتْ وتصرَّمتْ ... لياليَ أُنْسٍ كان صُبحاً ظلامُها

يغازلني فيها أغُّن مهَفْهَفٌ ... لواحظُه وسْطَ الفؤاد سهامُها

وبِتُّ يُعاطيني كؤوسَ حديثهِ ... فلله من خمْرٍ حلالٍ حَرامُها

وطوراً يُحيِّيني بوردةِ خدِّه ... وآونةً من خمر فيه مُدامُها

فرِيقتُه نَفْسُ الشَّمولِ وثغْرُه ... حَبابٌ لها يطْفو ومن فيه جَامُها

وقد عِفْتُ أبيات القريضِ ونظْمَه ... وقُوِّض من بين الفؤاد خيامُها

ولكن بحمْد الله جادتْ قريحتي ... وما خلتُ يوماً أن تجود جَهامها

فدونكَها يا ابن الكرامِ بديعةً ... تؤُمُّ ذَرَى نادِيك يُهْدَى سلامُها

ودُمْ وابْق ما أنْشأ بليغٌ قصيدةً ... تضوَّعَ مِسْكاً بالثَّناء خِتامُها

[فضل الله بن شهاب الدين]

الفضل التام له منه جله، والحسن للناس بعضه وله كله.

والزيادة من فضل الله لا تنتهي، والنعم لديه منها ما يشتهي

وقد ولد في طالع عنه الإقبال يترجم، فكاد يقضي له بالسعد من لم يكن ينجم.

والحر تكفيه عن تنجيم وتقويم، تسنحة خُلُق وخَلْق له في أحسن تقويم.

فاقترن باليمن باستهلاله، حتى كأن نونه خطت من هلاله.

فودت الجوزاء لو كانت قلادة تراقيه، والزهرة لو غدت عوض ذؤابته التي تراقيه.

ونشأ في نعمة تتملى اقتبالا، وكرامةٍ تسبغ سربالا.

ووقاية الله تحفظه، وعيون الألطاف تحفه وتلحظه.

حتى جمع أريحية الشباب، ونجابة الكهول، وحل من الفضل المحل السامي والمربع المأهول.

وتقدم إلى دقائق العلوم فتغلغل في شعابها، وتميز على نظرائه بحل رموزها وتسهيل صعابها.

وهذه دعوةٌ شاهدها من كان مثلي برياً من الريب، ولست أخبر عن الموتى ولا أستشهد الغيب.

وقد بلغني من بدائع فكره المتلهب الوقد، وروائع شعره الخالي من التكلف والنقد.

ما تتناثر على مذهباته الدرر، وتتكاثر على محاسنه الغرر.

فمن ذلك قوله:

مُذْ مال خرَّتْ له الأغصانُ ساجدةً ... خُوط به من رحيق الثغرِ إسْكارُ

حَطَّ اللِّثام فغاب البدرُ من خَجَلٍ ... وقد بدا في الدُّجَى للصبح إسْفارُ

أضحى كجسمى منه الخَصْر ليس يُرَى ... ومَنْطقَتْه من العشاق أبْصارُ

وِشاحُه مثلُ قلبي خافقٌ أبداً ... ولَحْظُه الفاتك الفتَّانُ سَحَّارُ

كأنَّما شعرُه في خالِ وجْنتِه ... دخانُ قطعةِ نَدٍّ تحتها نارُ

قلت هذه القطعة قطعة عمادية، والقول بأنها تماثل نزعة عنادية.

ولابن سناء الملك فيما يشبه هذا التشبيه، وإن لم يكن منه:

سمراءُ قد أزرتْ بكلِّ أسمرٍ ... بلَوْنها ولِينها وقَدِّهَا

أنفاسُها دخانُ نَدِّ خالِها ... وريقُها من ماء وردِ خدِّهَا

وأقرب منه قول السيد محمد العرضي:

على وجَناتِه خالٌ عليه ... تبدَّتْ شعرةٌ زادتْه لطفَا

كقطعةِ عنْبرٍ من فوق نارٍ ... بدَا منها دخانٌ طاب عَرْفَا

ومثله للسيد باكير بن النقيب:

في خدِّه القانِي المضَرَّجِ شامةٌ ... قد زِيد بالشَّعرات باهرُ شأنِهَا

كلهِيبِ جمْرٍ تحت قطعةِ عنبرٍ ... قد أُوقِدتْ فبدا ذَكِيُّ دُخانِهَا

وله:

ومُدير لنا المُدام بكأسٍ ... مثل عِقْدٍ حَبابُه منْظومُ

هو بدرٌ وفي اليمين هلالٌ ... فيه شمسٌ وقد علتْها النجومُ

من دنَا دَنَّه يشمُّ عبيراً ... من شَذاه رحيقُه مختومُ

حَيِّ يا صاحِ بالفلاح عليها ... واصْطحِبْها تنْفكُّ عنك الهمومُ

<<  <  ج: ص:  >  >>