وَرْقاءُ من عهد الحبيب تُتَرْجمُ ... لِيَهْنِك إلفٌ بالغُوَيرِ مَخيِّمُ
لئِن تندُ بي إلْفاً وما شَطَّ حيُّه ... فإني على شَطِّ المَزارِ مُتيَّمُ
وهَبْ سَجْعك اللموزون باللحن معرِبٌ ... فدمعِيَ أوْفَى صامتٍ يتكلمُ
لكِ مثلٌ في العَنْدَلِيب وسَجْعِه ... ولي بالفَراشِ الشِّبْه والفَرْقُ يُعْلَمُ
وله:
يا أيها البدرُ المُنيرُ إذا بدَا ... وإذا رَنَا يا أيُّهذا الرِّيمُ
ومعلِّم الغصنِ الرَّطِيب تمايُلاً ... رق النسيمُ لها فصار يَهيمُ
كم ذا تُمَوِّه عن صَبابةِ عاشقٍ ... صَبٍّ على طولِ الصدودِ مقيمُ
فارْحَمْ ضَنا جسدِي وحسَن تَصَبُّرِي ... وارْعَ الجميلَ فما الجمالُ يدومُ
وله في ألكن:
فلا تعجبوا من لُكْنةٍ في لسانِه ... فمن حُلْوِ فِيه لا يفارقُه الشُّهدُ
وهذا المعنى أصله بالتركية، وكنت عربته قبل أن رأيت تعريبه.
وبيتي هو:
ما لُكنةٌ فيه تِشينُ وإنما ... تأبَى الحروفُ فِراق شُهْدِ لسانِهِ
ثم رأيت في ديوان الشهاب ما زاد عليه، وهو قوله:
بالله حدِّث عن تلَجْلُجِ نُطْقِه ... سُكْراً وأتْحِفْني بعذْبِ بَيانِهِ
الضِيقِ فِيه ليس يخرُج لفظُه ... أم لا يُريد فِراق عَذْبِ لسانِهِ
ومما يستعذب هنا قول ابن تميم:
عابُوا التَّلَجْلُجَ في لسانِ مُعذِّبي ... فأجبْتُهم للصَّبِّ فيه بَيانُ
إن الذي يُنْشِي الحديثَ لسانُه ... ولسانُه من ريقِه سَكْرانُ
ولهذا الأصل الطيب المغرس، فرعٌ لم يزل ولا يزال تتعرف فيه المعالي وتتفرس.
وهو أحمد القائم مقام أبيه في رتبته، والمفرع لأفانين البلاغة من سامي هضبته.
زاده الله تعالى فضلاً ونبلاً، وضاعف له الثناء بعداً كما ضاعفه قبلاً.
وذلك إن كان بقي مزيدٌ بعد التمام، على أنه لم يبق إلا الاستدامة كما قال أبو تمام:
نعمةُ اللهِ فيه لا أسألُ اللّ ... هَ إليه نُعْمَى سوى أن تدوما
ولو أنِّي سألتُ كنتُ كمن ... يسألُه وهْو قائمٌ أن يقُومَا
الجزء الثالث
الباب الثالث
في نوابغ بلغاء الروم
وهذا الباب فيه الغرض المروم؛ فإن دار خلافتها وإن تباين فيها اللسان، ففي أهلها حذق لا يعيقه مزية وجدت في نوع الإنسان.
فسبحان من جعل جبالها السبع بمنزلة الأفلاك، مطالع الأضوا ومغارب الأحلاك، ومغرد طيور جملة الأملاك، وسبب انتظام هذه الأسلاك.
فسما بها الفرع الباسق، والأصل الثابت، وطاب لعمري فيها المنبت والنابت.
كيف وهي حاضرة الدنيا، وواحدة المفردة والثنيا.
ومجمع أهل الفضل تنظمهم في سلك، وتنزههم فيما أنالها الله من ملك وملك.
وقد أمنت بحمد الله من الصائل، وحمدت فيها البكر والأصائل.
ولها الحظوة التامة، والمحاسن الخاصة إلى الخيرات العامة.
مع اللطافة المشربة بالغضارة، والطلاقة الممكنة من مفاصل النضارة.
فهي قيعة الظل الأبرد، وكناس الغيد الخرد.
ومهوى هوى الغيث الهاتن، ومأوى اللفظ الساحر واللحظ الفاتن.
وبها المباني الشم الأنوف، والقصور الجمة الحلي والشنوف.
رياضها وريقه أريضة، وأهويتها صحيحة مريضة.
ومرابعها مراتع النواظر، ومطالع المسرات النواضر.
تصبو النسمات إلى مسارحها الرحاب، وتبكي شوقاً إليها جفون السحاب.
ولعهدي بها إذا أخذت بدائع زخارفها، ونشرت طرائف مطارفها.
وقد ساقت إليها أرواح الجنائب، زقاق خمر السحائب.
فسقت مروجها مدام الطل، فنشأ على أزهارها حبابٌ كاللؤلؤ المنحل.
هناك رأيت كل شعب يحدث عن شعب بوان، وكل منظر يتجلى عن أشكال من الزهر وألوان.
بُسِطت فَوقه بُرودُ ربيعٍ ... عندما زاره وفودُ الشمائلْ
خُطَّ فيه كتابُ توحيد ربِّي ... نَقْطُه النَّورُ والمياهُ الجداولْ
فتلتْه طيورُه دارساتٍ ... وأعادتْه مُفْصِحات العنادِلْ
أغْنَتِ السمعَ عن مِراءِ جدالٍ ... رامياتٍ لنقْل حمْل الدلائلْ