للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دنَوْتُ إليها وهْي لم تدْرِ ما الهوى ... وما علمتْ ما حلَّ بي من هوى نَجْد

فقلتُ أما من رُضابِك رَشْفةٌ ... مُعَّللةٌ أرْوِي بها غُلةَ الوجدِ

وهل للتَّداني عِلَّةٌ أستمدُّها ... وأبذُل في إنْجاز وُصْلتِها جُهْدِي

فقالتْ أما يكْفيك وعدي تعِلَّةً ... لقْلبِك فاقْنَعْ يا أخا الوُدِّ بالوعدِ

ولا تَرْجُ مهما تقصد النفسُ نَيْلَه ... فإن الرَّزايا في مُتابعِة القصْدِ

ولا تستِمحْ من كلِّ خِدْنٍ وصاحبٍ ... إخاءً فقد يُفضى الإخاءُ إلى الزهدِ

فما كل إنسانٍ تَراه مُهذَّباً ... ولا كلُّ خِلِّ صادق الوعد والعهدِ

ولا كلُّ نجمٍ يُهتدَي بضيائِه ... ولا كلُّ ماءٍ طيِّب الطعمِ والوِرْدِ

ولا المسكُ في كل المَهاةِ مَحِلُّه ... ولا ريحُ ماءِ الوردِ من عاصرِ الوردِ

ولا فضلُ مولانا البهاءِ محمدٍ ... كفضلِ المَوالي السابقين على حَدِّ

قلت: هذه العلاقة النجدية، اقتضت أن تسمى القصيدة بالوجدية.

وله، من قصيدة أخرى، في مدح البهاء أيضاً، مطلعها:

قطبُ السماءِ هو الطريقُ الأقْصدُ ... دارتْ عليه نجومُه والفَرْقَدُ

والمُشْترِي والزُّهَرَةُ والزهراءُ في ... أَوْج السُّعودِ هبوطُها والَمصعَدُ

والشمسُ ما شرُفتْ على أقْرانها ... إلا بنِسْبته إليها العَسْجَدُ

واللهُ لا تحصَى شئونُ كمالِه ... فالويْل ثَمَّ على الذي لا يشهدُ

ولقد أتيتُ الدهرَ غيرَ مُغادرٍ ... في حالة منها أقومُ وأقعُدُ

فسألتُه مَن في الحمى فأجابني ... مُفتِي الأنام أبو البهاءِ محمدِ

قلت: ها هنا فائدة من المستخرجات بالإلهام، وهي أن كثيراً من الشعراء من يبني روى قصيدته على اسم ممدوحه، ولم يذكروا هذا في البديع، فينبغي أن يسمى ب " التمهيد "، ويذكر.

ومن مستحسناته، قوله في الخمرة ونشأتها:

لا تَرْضَ بالإضرارِ للناسِ ... إن رُمْتَ أن تنجو من الباسِ

وانظُر إلى الخمرِ وما أوقعتْ ... في شارِبيها بعد إيناسِ

لما رضَوا في دَوْسِها عُوقبوا ... بَضرْبةٍ منها على الرَّاسِ

هذا معنى تصرف فيه وبناه على العقاب، وقد استعمله القدماء وأحالوه على جور الشراب.

ولكل مشرب، إما عذب أو مستعذب.

ومن الثاني قول ابن الأثير من فصل في وصف الخمر: وقد عرف منها سنة الجور في أحكامها، ولولا ذلك لما استثأرت من الرءوس بجناية أقدامها.

وهو أخذه من قول القائل:

ذكرتْ حقائدَها الكريمةُ إذ غدتْ ... وَهْناً تُداسُ بأرْجل العصَّارِ

لا نتْ لهم حتى انتشَوْا فتحكَّمتْ ... فيهم فنادتْ فيهمُ بالتَّارِ

وعلى ذكر التار فأعجب لتار الإشبيلي الذي ينطق الأوتار، وهو قوله:

والخمر تعلمُ كيف تأخذُ ثأرَها ... إني أملتُ إناءَها فأمالنِي

ويعجبني في هذا السياق، قول بعد الأندلسيين الحذاق:

لاتعجَبنَّ لطالبٍ نال العُلَى ... كهلاً وأخْفَق في الزمانِ الأوَّلِ

كالخمرِ تحكُم في العقُول مُسِنَّةً ... وتُداس أوَّلَ عَصْرها بالأرجُلِ

[السيد عبد الله بن محمد حجازي]

السيد الصنديد، الفقيه الشبيه والنديد.

الشريف في نفسه فضلا عن أرومته، الحسيب في ذاته علاوة على جرثومته.

شرفٌ ليس بمدعي ولا منتحل، وحسب له رونق المشتري ومرتقى زحل.

إذا انتسب باهت به الأنساب، وإذا كتب أرى البدائع بيض الوجوه كريمة الأحساب.

إلى مكرمات يدرك أقاصيها، ومعلوات يعقد بالفلك نواصيها.

ألبس من الفضل أحسن لباس، وخلق من طينةٍ غير طينة الناس.

وهو محاسن وفنون، تتغاير عليها آذان وعيون.

بحر إذا نطق وطود إذا سكت، وكله من فرقه إلى قدمه تحف ونكت.

بفكر يفتح المقفل، وذهن يستدرك المغفل.

وآداب رطبةٍ لدى الهصر، ومعارف تأبى على العد والحصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>