فارقتُ أوطاني وأهلَ مودَّتي ... وحبائباً غِيداً لهنَّ وفاءُ
من كلِّ مائسةِ القَوامِ إذا بدتْ ... لجمالِ بهْجتها تغارُ ذُكاءُ
ما أسْفرتْ والليلُ مُرْخٍٍ سِتْره ... إلا تهتَّكُ دونها الظلماءُ
ترْمِى القلوبَ بأسهُمٍ تُصْمِى وما ... لجِراحهنَّ سوى الوِصالِ دواءُ
شمسٌ تَغارُ لها الشموسُ مُضيئةً ... ولها قلوبُ العاشقين سَماءُ
هيفاءُ تختلس العقولَ إذا رنَتْ ... فكأنما لَحَظاتُها الصَّهْباءُ
ومَعاشرٍ ما شاَنَ صدقَ وفائهمْ ... نقضُ العهودِ ولا الودادَ مِراءُ
ما كنتُ أحسبُ قبل يوم فِراقهمْ ... أن سوف يُقْضَى بعد ذاك بقاءُ
فسقَى رُبَي وادي دمشق وجادَها ... من هاطِل المزْنِ المُلِثِّ حَياءُ
فيها أُهَيْلُ مودَّتي وبتُرْبها ... لجَليلِ وجدي والسَّقامِ شِفاءُ
ورعى ليالِينا التي في ظِلِّها ... سلَفتْ ومُقْلةُ دهْرنا عَمْياءُ
أترى الزمان يعود لي بإيابها ... ويباح لي بعد البعاد لقاء
فإلى متى يا دهْر تصدَعُ بالنَّوَى ... أعْشارَ قلبٍ ما لهُنَّ قواءُ
وتسُومني فيك المُقامَ بذلَّةٍ ... ولِهمَّتي عمَّا تسُوم إباءُ
فأجابني لولا التَّغرب ما ارتقى ... رتبَ العلا من قبلك الآباءُ
فاصبرْ على مُرِّ الخطوب فإنما ... مِن دون كلِّ مسرَّةٍ ضَرَّاءُ
واترُكْ تذكُّرَك الشآمَ فإنما ... دون الشآمِ وأهلِها بَيْداءُ
وقوله من قصيدة في المدح، مستهلها:
شامَ بَرْقاً لاح بالأبْرَقِ وَهْنَا ... فصبَا شوقا إلى الجِزْعِ وحَنَّا
وجرى ذكْرُ أُثَيْلاتِ النَّقَا ... فشكا من لاعِجِ الشوقِ وأنَّا
دَنِفٌ قد عاقه صَرْفُ الرَّدَى ... وخُطوبُ الدهرِ عمَّا يتمَنَّى
شَفَّه الشوقُ إلى بَانِ اللِّوَى ... فغدا مُنْهمِلَ الدمع مُعَنَّى
أسلمتْهُ للرَّدَى أيْدِي الأسَى ... عندما أحْسنَ بالأيام ظَنَّا
طالما أمَّلَ إلمْاَم الكرَى ... طمَعا في زَوْرِة الطَّيْفِ وأنَّي
كلَّما جَنَّ الدجى حَنَّ إلى ... زمنِ الوصلِ فأبْدَى ما أجَنَّا
وإذا هبَّ نسيمٌ من رُبَى ... حاجِرٍ أهْدَى له سُقْما وحُزْنَا
يا عربيا بالحِمَى لولاكمُ ... ماصَبا قلبي إلى رَبْعٍ ومَغْنَى
كان لي صَبرٌ فأوْهاه النَّوى ... بعدَكم يا جِيرةَ الحيِّ وأفْنَى
قاتَلَ اللهُ النَّوى كم قرَّحتْ ... كبِداً من ألمِ الشوق وجَفْنَا
كدَّرتْ مَورِدَ لَذَّاتي وما ... تركتْ لي من جميل الصبرِ رُكْنَا
قطعت أفلاذ قلبي والحشا ... وكستني من جليل السقم وَهْنَا
فإلى كم أشْتكي جَوْرَ الهوى ... وأُقاسِي من هوى ليلى ولُبْنَى
قد صَحَا قلبيَ من سُكْرِ الهوى ... بعد ما أزْعجه السكرُ وعَنَّى
ونَهانِي عن هوى الغِيدِ النُّهىَ ... وحَباني الشَّيبُ إحساناً وحُسْناً
وتفرَّغْتُ إلى مَدحِ فتىً ... سُنَّةَ المعروفِ والأفْضالِ سَنَّا
[السيد نور الدين بن أبي الحسن الحسيني]
هو نورٌ للمجتلى القابس، وابتسامٌ في الزمان العابس.
سما قدره بين فضلاء الأنام، وحلَّ من الأدب بين الذورة والسنام.
وصيته في الحجاز أشهر من يوم بدر، وأنور من ليلة القدر.
مع نزاهة عن الدنيا، ورفعة نيطت بالثريا، ولهجةٍ ترقرق فيها ماء الحيا، فأحيي وحي.
وكرم طبعه مع حسن صمته، دليلٌ للرواة على حسن سمته.
فإذا حبا أنى توازن به الغيوث السواكب، وإذا احتبى هيهات أن تشبهه الجبال الرواسب.
وله فوائد قد تأنق فيها، وأشعارٌ أصبح جوهره سلك مقتفيها.