للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أثبت له ما يعجب إحسانه، ولا يجحد حسنه أو ينكر استحسانه.

فمنه قوله، من قصيدة طويلة في المدح، مطلعها:

لك الفخرُ بالعَلْيا لك السَّعُد راتبُ ... لك العزُّ والإقبال والنصر غالبُ

سمَوْتَ على قَبِّ السَّراحِين صائلاً ... فكلَّتْ بكفَّيْك القّنا والقواضبُ

وحُزْتَ رِهان السَّبق في حَلْبة العلى ... فأنت لها دون البريَّة صاحبُ

وجُلْتَ بحَوْماتِ الوغى جَوْل باسلٍ ... فرُدَّت على أعْقابهن الكتائبُ

فلا الدَّارعاتُ المُقتماتِ تكنُّها ... ملابُسها لما تَحِقُّ المضاربُ

ولا كثرةُ الأعداء تغنى جموعُها ... إذا لمعتْ منك النجومُ الثواقبُ

خُضِ الحَتْفَ لا تخشَ الورى واقْهرِ العدى ... فليس سوى الإقدام في الرأيِ صائبُ

وشمِّر ذيولَ الحزْمِ عن ساقِ عزْمِها ... فما ازدحمتْ إلا عليك المراتبُ

إذا صدَقت للناظرين دلائلٌ ... فدَعْ عنك ما تُبدِي الظنونُ الكواذبُ

بِبيضِ المَواضي يُدرِك المرءُ شأوَهُ ... وبالسُّمْر إن ضاقتْ تهون المصاعبُ

لِأسْلافك الغُرِّ الكرام قواعدٌ ... على مثلها تُبنَى العلى والمناصبُ

زكَوْتَ وحُزْتَ الفضل مجداً ومحتِدا ... فآباؤُك الصِّيد الكرام الأطايبُ

ومن يَزْكُ أصلاً في المعالي سمتْ به ... ذُرَا المجد وانْقادتْ إليه الرَّغائبُ

بَنُو عمِّكم لمَّا أضاءتْ مشارقٌ ... بكم أشرقتْ منهم علينا مغاربُ

وفيكم لنا بدرٌ من الغرب طالعٌ ... فلا غَرْو أن كانت لديه العجائبُ

هو الفخر مَدَّ الله في الأرض ظلَّه ... ولا زال تُجْلَى من سَناه الغياهِبُ

إلى حلبَ الشَّهباءِ منِّى بِشارةٌ ... تعطِّرها حتى تفوحَ الجاونبُ

إذا ما مضى من بعد عشرٍ ثلاثةٌ ... من الدَّوْر فيها تُستَتمُّ المآربُ

لقد حدَّثتْ عنها أولو العلم مثلَما ... جَرى وانْقضت تلك السِّنونَ الجوادِبُ

بدا سعدُها لمَّا علىٌّ بد بها ... وياطالما قد أُنحستْ وهْو غاربُ

وفَوْزُ عليٍّ بالعلى فوزُها به ... فكلٌ إلى كلٍّ مضافٌ مُناسبُ

كأنِّي بسيف الدولة الآن وارداً ... إليها يُلاقي ما جنْته الثَّعَالبُ

لقد جادَها صَوْبُ الحيا بعد مَحْلِها ... وشرَّفها مَن أحكمتْه التَّجارِبُ

كريمٌ إذا ما أمحلَ الغيْثُ أمطرتْ ... أيَادِيه جُوداً منهع تصفُو المشاربُ

أديب أرِيب لو تجسَّم لفظُه ... أصابتْه عِقْداً للنُّحور الكواعبُ

فيا أيها المنصورُ بُشْراك رتبة ... بها السعدُ حقا والسرورُ مُواظبُ

مدحْتكُمُ والمدحُ فيه تجارةٌ ... بها تُثمِر النُّعمَى وتْغلو المكاسبُ

إلى باب عَلْياكم شدَدْت رواحِلِي ... ويا طالما شُدَّت إليه الركائبُ

بها الفضلُ منشورٌ بها الجودُ وافرٌ ... بها فتحُ من سُدَّت عليه المَذاهبُ

وماذا عسى أن يبُلغ الوصفُ فيكمُ ... إلى غايةٍ هل يْنقُص البحرَ شاربُ

فلا زلتمُ في أكْملِ السعدِ والهنا ... مدَى الدهر ما مالتْ وماسَتْ ذوائبُ

وله يتغزل:

يا مَن مَضَوْا بفؤادي عندما رحلُوا ... من بعد ما في سُوَيْدا القلبِ قد نزلوا

جارُوا على مُهْجتي ظلما بلا سببٍ ... فليت شعرِي إلى مَن في الهوى عَدَلوا

وأطلقوا عَبْرتي من بعد بُعدهمُ ... والعْينُ أجفانها بالسُّهد قد كحَلُوا

يا من تعذَّب من تسْويفهم كبدي ... ما آنَ يوماً لقطْع الحبل أن تصِلوا

جادُوا على غيْرنا بالوَصْل مُتَّصِلاً ... وفي الزمان علينا مرَّةً بَخِلُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>