أذكُر في عُمرِي ديارَ الهُدَى ... فشَمْلُ دمعي أبداً في انفِضاضْ
نَبِّهْ كَلِيمَ الوَجْدِ من شَوْقِه ... فجَفْنُه من وجدِه في اغْتماضْ
وقُلْ له بالِله هَذِي طُوَى ... فاخْلَعْ وكُنْ في مِلَّةِ الشوقِ رَاضْ
وانْتشقِ الأزْهارَ من رَوضِها ... واسْتشْفِ منها بالعُيونِ المِراضْ
كم بات مُعْتَلُّ الصَّبا عندها ... يروِي أحاديث الشِّفا عن عِياضْ
أيا إماماً جامعاً للعُلَى ... وبحرَ عِلْمٍ وِرْدُه العَذْبُ فاضْ
أبْكارُ فكْري بين أبْوابكم ... تُنزِّه الأحْداقَ بين الرياضْ
إليكمُ قد رفعتْ أمْرَها ... فاقْضِ على الأحْرارِ ما أنتَ قاض
قد بايَعت بالحقِّ سُلْطانَكم ... تَوفية ً بالعَهْدِ دون انْتفاضْ
علي أبو الحسن الْخَزْرِجيّ المعروف بالشامِيّ نزيل فاس
أديب صَفَتْ من قَذَى الأوهام خلائقُه، وتشبَّثتْ بالفضل منذ منه كان عَلَقةً عَلائقُه.
سقى روضَ آدابه صَيِّبُ البَيان فتروَّى، وأقْدام أوْصافِ فضلهِ على اقْتضاب مدائحه وما تُرْوَى.
فهو رَوضُ أدبٍ أرِيض، وَمتْحِفُ الأسْماع بأحْسَنِ سَجْع وقَرِيض.
وله شِعْرٌ يدلُّ على جَودِة طَبْعه المُرْتاض، دَلالةَ النسيم إذا هبَّ على زَهْرِ الرِّياض.
فمنه قوله مُقرِّظا على " كتاب المقَّرِيّ في أخبار عِياض ":
أبا العبَّاسِ أبْدَعْتُم طِرازاً ... نَثَرْتُم فيه أزهارَ الرِّياضِ
ونَظَّمْتُم عُقوداً من لآلٍ ... لجِيد حُلَى المآثر من عِياضِ
وأرْقَمْتُم غُصونَ عُلاه لمَّا ... سَقاها فِكْرُ كم سَقْيَ الحِياضِ
ونمَّقتُم مَطارِفَ ما رأيْنا ... كطُّرَّتها سَواداً في بيَاضِ
فدُم للدِّين والدنيا إماماً ... وبَحْرَ نَدىً علومُك في افْتياضِ
وله في مَدْحِه أيضاً:
أيا ناظراً مَتِّعْ عُيونَك ساعة ... بأزْهارِ هذا الرَّوضِ من حيث ما تَخْطُو
وقِفْ مَوْقفَ الإذْلالِ لله واطْلُبَنْ ... بها نَفْحةَ الرِّضْوانِ إن رَاعَك السُّخْطُ
فَلو لم تكنْ مَقبولةً عند رَبِّنا ... لما كان في هَذِي النِّعالِ بها وَخْطُ
وله في مدح النّعْل الشريف:
أيا نَعْلَ الرسول عَلَوْتَ قَدْراً ... وفخرُك غيرُ خافٍ لِلَّبيبِ
أقولُ لمن بحُبِّي ذاب شوقاً ... وأعْيىَ داؤُه طِبَّ الطبيبِ
تنَسَّكْ مِسْكَ أنْفاسٍ لتُشْفَى ... فهذا الطِّيبُ من عَرْفِ الحبيبِ
وله فيه أيضاً:
مِثالُ النَّعْل في القِرْطاسِ خَطَّا ... بسُمْرِ الشَّوْقِ في الأحْشاءِ خَطَّا
ولمَّا أن لثمتُ نَدَى ثَراهُ ... وغَشَّى نُورُه جَفْنِي وغَطَّا
شَمَمْتُ الوردَ من رَيَّاه يَنْدَى ... وسِمْتُ البدرَ من عَلْيَاهُ خَطَّا
ففجَّر لي من العيْنيْن بحراً ... ونَثْراً من لآلِي الدمع سِمْطاَ
ورَوَّى من سحابِ الْجَفْن جسمي ... وأوْرَى من زِنادِ الشَّوقِ سِقْطَا
وله فيه من قصيدة:
دَعُوا شَفَةَ المُشتاقِ من سُقْمِها تُشْفَى ... وترشِف من آثار تُرْبِ الهُدَى رَشْفَا
وتلْثِمُ تمثالا لنَعْلٍ كريمةٍ ... بها الدَّهرَ يُسْتسْقَى الغَمامُ ويُستشْفى
ولا تصرِفُوها عن مُناهَا وسُؤْلها ... بعَدْلِكُم فالعدلُ يمنعُها الصَّرْفا
ولا تعْتِبوها فالعتابُ يزيدُها ... هُياماً ويسْقيها مُدامَ الهَوى صِرْفَا
جَفَتْها بكَتْم الدمع بُخْلاً جُفونُها ... فمن لامَها في اللَّثْم فهوْلها أجْفَى
عليّ بن ابراهيم بن أبي القاسم التُّونُسِيّ
أديبٌ حُمِدَ مسْعاه، ولم يُجْدِب لرائدٍ مَرْعاه.
ظَهر على البدر التَّمام، وجاد طَبْعُه جُودَ الغمام.
فأطْلَع الكلام زاهِرا، وأثْبته للعقول باهِرا.