لبقي محجوباً عن العيان، ونسجت عليه عناكب النسيان.
ورأيت فضله كمن في إهابه، وبراعته دثر رسمها به.
وهو مطبوع الطبع على النظم، إلا أنه إذا نظم جاء بالمخ والعظم.
وولعه بأوابد الكلام، كولعه بشوارد نفثات الأقلام.
ولا بد مع الرطب من سلاء النخل، ومع العسل من إبر النحل.
فقد أوردت له ما تحمده عليه، وتترك لأجل ممدوحه تفويق سهم الانتقاد إليه.
فمنه قوله من كافيّة:
خَلِّ العوانِسَ ذاتَ الخَبِّ والرَّتَكِ ... تسْرِي بنا بِبُجور الْآلِ كالفُلُكِ
تعْلُو الحزُون فلا فُلَّتْ مَناسِمُها ... ةلا يُغِبَّنَّها وِرْدٌ بمُشتركِ
ولا عَداها هَطُولُ المُزْنِ في فَيْفٍ ... ولا أُحِيدتْ من الحوماءِ في شَرَكِ
حتى تجُوبَ الفَيافِي والوِهادَ وتسْ ... تِقلَّ في مَرْبَعٍ بالبِرِّ مُحْتبِكِ
حيثُ المَلاذُ المُرجَّى المجْتَبى قِدماً ... المُصطَفى مُنقذُ العاصِي من الدَّرَكِ
حامِي حِمى الدِّين مَن شَأْواه قد رُفِعتْ ... على العُلَى حيث حُطَّت دُرَّةُ الفلَكِ
مَن قد سَما وسَما من فوق كل سَما ... حتى وطِي بشُسُوعٍ ربَّةَ الحُبُكِ
محمدٌ أحمدُ المحمودُ خيرُ فتىً ... له فَخارٌ عَلا بالفضل كلَّ ذَكِي
وقوله من أخرى:
أحسنُ من بَهْجة نَوْحِ الحمامْ ... وسجعِ وَرْقاءَ بمتْن البَشامْ
وصَدْحِ قُمْرِيٍّ شَجِيٍّ عَلَى ... خَمِيلةِ الضَّالِ وأثْلِ الخُزامْ
ومن صفِيرٍ صاتَه بُلْبُلٌ ... على قضيبٍ مائِدٍ وهْو سامْ
وشَدْوِ شُحْرورٍ فصيحِ اللُّحونِ ... مُعْتجمِ اللفظِ دَغِيمِ الكلامْ
ودَوْحةٍ قد أنْبتتْ زهرَها ... ترُوق للناظرِ في الانْتظامْ
وطَلِّ أنْداءَ بأوْراقِه ... تنْثُره فيه غَوادِي الغَمامْ
وأرْقمٍ تنْسِج أيدِي النَّسا ... ئمِ مَوْجا له كفِرِنْدِ الحُسامْ
وقَهْوةٍ حَلْبِ عصيرٍ غدَا ... يسعَى بها ساقٍ كبدرِ التَّمامْ
ومُطْربٍ قد شَدَّ أطْباقَه ... وحَرَّك العودَ وأبْدى النَّغامْ
ومن هوَى حسْناءَ رُعْبُوبةٍ ... قد كُحِّلتْ أجفانُها بالسَّقامْ
مليحةٍ تُخْجل غصنَ النَّقا ... وتَسلُب اللُّبَّ بِلِين الكلامْ
أحسنُ من هذا وذا كلِّه ... وكلِّ ذي حُسْن به يُسْتَهامْ
مَدْحُ النبيِّ المصطفى أحمدٍ ... مَن قد أتى رحمة للْأنامْ
[محمد بن الشاه بندر]
هو من حين تحيز، بنعمةٍ بأدواتها تميز.
تغاديه النشوة وتراوحه، وتناوحه أنفاس القصف وتفاوحه.
فنبغ ونجب، وقضى من حق التحصيل ما وجب.
وفتق ثناءً كالمسك صدراً ووردا، وتخلق بخلق كالماء الزلال عذبا وبردا.
فوجه أدبه شادخة غرره، وسلك نظمه متسقة درره.
وهذه قطعة من شعره، تعلم منها أنه أوتي الإصابة، واستحق أن ينوه به بين هذه العصابة.
وهي قوله:
ذَرِ الصدَّ إني لستُ أقوى على الصدِّ ... وعُدْ للذي عوَّدْتَني منك من وُدِّ
فِطامِيَ عن ثُدْيِ الوَلا مُتمنِّعٌ ... وطِفلُ نُزوعِي لا يُعلَّلأ بالمَهْدِ
حَنانَيْك ما هذا التجنِّي فإنني ... لفي نُكرٍ من مَزْج هَزْلِك بالجِدِّ
لئن يكُ شَطَّ الوَهْمُ عنِّي لهفْوةٍ ... فعَدِّ وعُدْ وابْشِر فغُفْرانُها عندِي
وحقِّك لم أحسَبْك قطُّ مُفارِقي ... ولم يكُ ظنِّي فيك خُلْفَك للوعْدِ
فكيف تُنائِي وَيْحَ غيرِك هاشماً ... حَباك بمَحْض الودِّ في القربِ والبعدِ
فوا لَهَفي لو كان يُغنى تلُّهفِي ... ووا أسَفِي إذ صرتُ أبْطأَ من فِنْدِ
فما هكذا عهْدي بفَقْدِك أُلْفَتِي ... أأحدَثْتُ أمْراً لم يكن منك في عَقْدِ