للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُرْهَف طَبْعِه مُشْجَذٌ قاطِع، ووجهُه إقْبالُه كأنَّما صُوِّر من نُورٍ ساطِع.

يلْمَع نُورُ العلم في جبِينه، وفضلُه لا يخفى على مُسْتبِينه.

سريعُ الجواب، ظاهرُ الصَّواب.

مُعْجِزٌ ببَيانه، مُفِيد في كلِّ أحْيِانه.

إلا أن طَبْعَه أحَرُّ من القَيْظ، وإذا غضِب يكاد يتميَّز من الغَيْظ.

وله تآليف هطَلتْ سُحبُ إفادِتها الذَّوارِف، فأضحى بها وهو العَلَمُ الفَرْدُ أعْرَفَ المَعارف.

وهو أجَلُّ مَن أخذتُ عنه العلوم، واقتبَستُ من فوائده ما ترسَخُ به طائِشاتُ الحُلوم.

وذلك بالرُّوم حين ورَدها ثانيا، وأنا مقيمٌ بها أسامِر آمالاً وأمانيا.

ولَديَّ شوقٌ يطيرني إليه، ووَجْدٌ يقْتضي أن أرْمِي لَهْفتِي عليه.

فَغَنِمتُه بُرْهةً من الدهْر، أتْلُو سُوَرَ مدائحه في السِّرِّ والجَهْر.

وقد كتب لي إجازةً بخطِّه، هاهي مُزيَّنة بضَبْطِه: الحمدُ لله الحميد، والصلاةُ والسلام على الطاهِر المجيد، وعلى آله أهل التَّمْجيد،

أجَزْتُ الإمامَ الَّلوْذَعِيَّ المُعبِّرَا ... أمِينَاً أمينَ الدِّين رُوحاً مُصوَّرَا

سلِيلُ مُحِبِّ الدِّين بيتُ هدايةٍ ... وبيتُ مَنَارِ العلم قِدْماً تقرَّرَا

بإقْرائه متنَ البُخارِي الذي به ... تقاصَر عنه مَن عَداهُ وقَصَّرَا

مُوَطَّا شِفاءٌ والشِّفاءُ كمُسْلِمٍ ... إذا مُسْلِماً تُقْرِيه حَقَّاً تصدَّرَا

وباقي رجالِ النَّقْلِ حَقَّاً مُبَيّناً ... وتفسيرُ قَوْلِ الله في الكُلِّ قدَّرَا

أجَزْتُ المُسَمَّى البدر في الشَّرْعِ كُلّه ... كما صَحَّ لي فاتْرُكْ مِراءً تكدَّرَا

وعلمَ كلامٍ خالياً عن أكاذبِ الْ ... فلاسفةِ الضُّلال والعَدْلُ نُكِّرَا

أقول لكلِّ فَلْسَفِيّ يَدِينُهُ ... ألا لَعْنةُ الرحمنِ تعلُو مُزَوِّرَا

أجبريلُ فَلَكٌ عاشِرٌ يا عِداتنا ... أعادِيَ شَرْعِ الله نِلْتُمْ تَحَيُّرَا

بأيِّ طريقٍٍ قلتُم عَشْرَ عَشْرَةٍ ... ونَفْىَ صِفاتٍ والقديمُ تَحَجَّرَا

حكمتُم على الرحمنِ حَجْراً مُحَجَّراً ... ومَنْعُكُمُ خلقَ الحوادثِ دَمَّرَا

أُبَرِّي الحبيبَ الَّلوْذعيَّ عن الرَّدَى ... مُجازاً بدِينِ الشَّرع كُلاً مُحرَّرَا

ولكنْ عليه النُّصْحُ والْجِدُّ والتُّقَى ... وإن نَالَه أمْرُ القضاءِ تَصبَّرا

حَماهُ إله العرشِ من كلِّ فتنةٍ ... ونَجَّاهُ من أسْواءِ سُوءٍ تَسَتَّرا

وصَلِّ وسَلِّم بُكْرةً وعَشِيَّةً ... على مَن به حَيُّ القلوبِ تحَيَّرَا

[خاتمة]

وهنا وقفتْ بي مَطِيَّةُ السَّير، وختمتُ الكلامَ راجياً من ربِّي خاتمةَ الخير.

ولما فرغتُ من جَمْعِه، وجعلتُه هديَّةً لناظر الدهر وسَمْعِه.

التفَتُّ إليه فشاقنِي، وحَدَا بي نحو الإعجاب وساقنِي.

فأقول كما قال ابنُ الخطيب، لا بَرِح ذكرُه يَعْبَق ب " عرف الطِّيب من غُصُن الأندلس الرَّطيب ": لما رأيتُ من ذُكرِ فيه قد تخلَّدتْ آثارُهم، وشَنَّف أُذُنَ الزمان نِظامُهم ونِثارُهم، نافستُهم في اقْتحام تلك الدُّور، وقنِعت باجْتماع الشَّمل ولو في خلال السُّطور.

وحرِصْتُ على أن أنال منهم قُرْبا، وأخذتُ أعْقابَهم أدَباً رَحْباً، كما قيل: ساقِي القومِ آخرُهم شُرْبا.

والله ُسبحانه يُدبِّر أمْري، ويُحْسن بفضله آخِرَ عمري.

ويسْتُرني في هذه البَقِيَّة، ويجعلني من خُلَّص هذه البَيْضاء النَّقيَّة.

فقد بَقِي في إناءِ العمر صُبابة من شَراب، فلعلِّي لا أُرِيقها في يومِ هاجرةٍ لِلَمْعِ سَراب.

وإذا نزل بي الموت، وفات في أجَلِي الفَوت، لا يُعْدِمني من يترحَّم عليَّ؛ ويُهْدِي ثوابَ فاتحتِه إليّ.

فمبدأُ حالِي، وما أفْضىَ إليه نُزولِي وارْتحالي، قد صرَّحتُ به تارة وعرَّضْتُ أخرى، فرأيتُ تَرْك التَّعرُّض له هنا أوْلى وأحْرَى.

وإنما أذكُر هنا بعضَ فضولِ الكلام، قصدتُ أن أنْسلِك بها في سِلْك هؤلاء الأعلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>