وقد أثْبَتُّ له ما تَشْتَمُّ عَرْفَ المسك من نَفْحِته، وترى الإحْسان مُرْتسِما في صفحته.
فمنه قوله في النَّعْل الشريف:
لِمِثالِ نعلِ الهاشميِّ محمدٍ ... جادتْ جُفوني بالدموعِ الذُّرَّفِ
وبُكايَ مَن فَرْطِ الأسَى ولَوَ أنَّنِي ... أقْضِي وحَقَّ جَلالِه لم أُنْصِفِ
أوْطَأْتُه خَدِّي وقلتُ تَعَزَّزِي ... ما شئْتِ يا نفسِي بهذا وأشْرُفِي
وتمسَّكِي أبداً بحبِّ محمدٍ ... فعَساكِ أن تَنْجَىْ به في المَوْقفِ
صلَّى عليه اللهُ ما جنَّ الدجى ... وبَدَا الصباحُ ولاح نجمٌ أو خَفي
فهو الشفيعُ لمن تعاظَم ذَنْبُه ... يومَ الحسابِ ويومَ نَشْرِ المُصْحفِ
؟ أبو محمد الحسن بن أحمد الفَيُّومِيّ المَرَّاكُشِي
أحدُ مشاهير الكُتَّاب بباب المنصور، الذين خدموا سنَاه الممدود والمقصور.
تجمَّلتْ سُلْطَتُهُ بآثار مَلَكاتِه، حتى غدا نُخْبَتُها صَدَفاً لِلآلِي كَلِماتِه.
فاشْتملتْ عليه اشْتمالَ الرَّوضِ على النسيم، وتبسَّمت أيامُه تبسَّمَ ثَغْرِ الأمل عن الوَجْهِ الوَسِيم.
فاكْتسب بهذا الانْتماء أجَلَّ شُهْرَة، وأوْجَب عليه شُكْرَ هذه النعمة دَهْرَه.
وهو إذا كتب باهَتْ رِقاعُه البدور، وحلَّتْ من الزمان مَحَلَّ العقود من الأجْياد والقلائِد من الصُّدور.
وله لسانٌ يصِفُ بالعِيِّ لسانَ ابنِ الخطيب، وبَنانٌ كأنما تُمْلِي عن زَهْر الغصن الرَّطيِب.
وشعرُه كالرَّوض طال رِيَّا، فطاب رِيَّا.
فدونك منه قطعةً نَوْرُها نُورٌ تجسَّم، وكلُّ غصن منها ثُرَيَّا ترسم.
وهي قوله، وكتبها في بعض مَبانِي الوزير عبد العزيز الفِشْتَالِيْ:
أجِلِ المُعَلَّى من قِداحِ سُرورِي ... وأدِرْ كؤوسَ الأُنْسِ دون شرورِ
خلَعتْ على عِطْفِ البهاءِ مَحاسِني ... فكسَتْ به الآفاقَ ثوبَ حُبُورِ
وتناسَق الوَشْيُ المُفَوَّفُ حُلَّتِي ... نَسَقَ الشُّذُورِ على نُحورِ الحُورِ
شاد القصورَ قُصورُها عن رُتْبةٍ ... لي بالسَّنا الممدودِ والمقصورِ
في المُبْتنَى المَرَّاكُشِيّ وأُفْقِهِ ... أزْرَى على الزَّوراءِ والْخابورِ
أعْلَى مَقامِي البارعُ الأسما الذي ... قد حاز سَبْق النَّظْمِ والمنثورِ
فإذا أقَلَّ بَنانُه أقْلامَه ... نفَثتْ عقودَ السحرِ بين سُطورِ
عبدُ العزيز أخو الجلالةِ كاتِبٌ ... سِرُّ الخليفةِ أحمدَ المنصورِ
لا زال في أمْنٍ ويُمْنٍ ما شَدَتْ ... وُرْقٌ برَوضٍ بالنَّدَى مَمْطورِ؟ ؟؟؟؟
عمر بن علي فكرون نزيلُ القاهرة
مصباحُ فهم مُتَّقِد، وبُرهان عِلم لكل مُعانِد مُنْتقِد.
ازْدَهتْ بعصرِه الأعصار، وباهتْ به مصرُ جميعَ الأمصار.
إذا قدَح زَنْدَ فكرِه أوْرَى بشررٍ يحرِق الجهل، وإن طَما بحرُ خاطرِه عَمَّ الجبلَ والسَّهْل.
مع نزاهةٍ الْتفَّ بِكساها، ونَباهةٍ ألْغَى بها نباهةَ جِيله وأنْساها.
وله أدبٌ واسِعٌ مداه، رِيَّان كالرَّوض بللَّه نَداه.
وشعر كماء العنقود في جامِه، وقطرِ النَّدَى في حُسْن انْسِجامِه.
فمنه قوله من قصيدة:
طلَع الهلالُ وأُفْقُه مُتهلِّلُ ... فمُكَبِّرٌ لطلوعِه ومُهلِّلُ
أوفَى على وَجْهِ الزمان بغُرَّةٍ ... فغدا الصباحُ بنُورِها يتحمَّلُ
وزَهتْ غصُون البانِ في رَوْضاتِها ... وافْتَرَّ من ثَغْرِ الأَقاح مُقَبَّلُ
والوُرْقٌ غَنَّتْ في الرِّياضِ وغرَّدتْ ... لحْنَاً بمُعْرِبه الفؤادُ مُبَلْبَلُ
منها في المديح:
بحرُ التَّفضُّلِ والتكرُّمِ والنَّدَى ... وله كمالٌ مُجْمَلٌ ومفصَّلُ
جعل العدالةَ شأنَه وشِعارَه ... والسعدُ يُمْضي ما يقول ويفعلُ
نطَق الزمانُ بمَدْحِه وبحمْدِه ... وبذاك ألْسِنَةُ الورى لاتَغْفَلُ
ابراهيم بن محمد السُّوسيّ الإنْسِيّ
ظَرْفُ رَشاقةٍ وظَرْف وحَبَّةُ فؤادٍ وإنْسانُ طَرْف.