ودُنْياهمُ طلْعةُ المجْتَلِي ... ودهرُهمُ واضحُ المُبْتَسمْ
ومن حقِّهم شكرُ آلائهمْ ... ومن حقِّ شانيهمُ أن يُذَمّ
[شهاب الدين بن عبد الرحمن]
" والشمس وضحاها. والقمر إذا تلاها "، " والليل إذا يغشاها ".
لهو جواد استبق فحاز السق، وانطلق فأبعد الطلق.
وشهاب تألق، وشهمٌ قنص وما حلق.
تبلغ حتى لم يبق مطمعا، ولاح فأرى الشمس والبدر معا.
وهو في عيشٍ موافق وزمن معين، وروضة منىً طلة وماءٍ معين.
والجود لا يعطى إلا ببنانه، والدهر لا يسطو إلا بجنانه.
إلا أنه تصرفت به في آخره الأعمال، فقبض على فترة من الآمال.
وله المآثر الغر، يزينها خطٌ أغلى قيمةً من الدر.
فإذا دجا ليل قلمه، وطلعت فيه شهب كلمه.
لم يقعد له بها شيطان مقعدا، إلا وجد له شهاباً رصدا.
فأسرارها مصونة عن كل خاطف، مطوية بأيدي الصون عن كل قاطف.
وقد وقفت من آثاره على قطع، كأنما الحسن منها مقتطع.
فأثبت منها ما هو سلوة المتعني، وشهدة المتمعني.
ونزهة المتلفظ، وكفاية المتحفظ.
فمنها قوله في الغزل:
برُوحيَ فتَّانٌ بلحْظيه قاتلٌ ... يُرِينا المنايا الحمرَ بالأعْين النُّجْلِ
يميل بقَدٍّ أخْجل الغصنَ والقَنا ... يَجِدُّ على قتل المحبّين بالهَزْلِ
عجبتُ لهذا الحبِّ تُرْضي فعالُه ... وإن هو بعد العزِّ بدّل بالذلِّ
وقوله في دير مران:
أيادَيْر مُرَّانَ سقاكَ غمامُ ... تروح وتَغْدُو غِبَّهُنَّ سلامُ
وحيَّاك من دَيْرٍ وحيَّى معاهداً ... بمَغْناك ما ناح الزمانَ حَمامُ
وقفتُ على رَسْمٍ به راح دارساً ... وقد فاح من عَرْف الرياض خُزامُ
فقلتُ ولي في رَسِيسُ صَبابةٍ ... وفي القلب منِّي لوعةٌ وغرامُ
كأن لم يكن بين الحَجُونِ إلى الصَّفا ... أنِيسٌ ولم تُهْرَقْ هناك مُدامُ
والبيت مضمن، وأصله:
كأن لم يكن بين الحَجُونِ إلى الصَّفا ... أنِيسٌ ولم يسمُرْ بمكَّة سامرُ
بلى نحن كنا أهْلَها فأبادَنا ... صُروفُ الليالي والجدودُ العواثِرُ
ودير مران معروف بدمشق، بالقرب من الربوة.
وقد تداولت ذكره النبغا، وحسبك من وصفه ما حكاه الثعالبي عن الببغا.
وهو دير قديم، مترنح ساقٍ ونديم.
دير أطل فوق وادٍ نضر، يرضع طفل نوره ثُدِيَّ المطر.
إلا أن الدهر عفى صورة رسمه، ومحا محاسن هيئةٍ كانت روحاً لجسمه.
وكانت به مقاصير كأنها مقاصير جَنة، فأصبحت الآن وهي ملاعب جِنة.
فقد عميت أخبار قطانه، ودثرت آثار أوطانه.
من وهى بنائه، وسكن الحوادث بفنائه.
وقفتْ عليه السُّحْبُ وَقْفةَ راحمٍ ... فبَكتْ له بعيونِها وقلوبِها
وهو أحد الديارات المذكورة في الشعر القديم.
قال فيه الخليع:
يا دَيْرَ مُرَّانَ لا عُرِّيتُ من سكَنٍ ... قد هجْتَ لي شَجَناً يا ديرَ مُرَّانَا
سَقْياً ورَعْيا لمُرَانٍ وساكنِه ... يا حبَّذا قاطنٌ بالديْر مَن كانَا
حُثّض المُدامَ فإنَّ الكأسَ مُتْرعةً ... مما يهِيجُ دواعِي الشوقِ أحْيانا
وحيت أنساق الكلام إلى الديارات، فلنذكر مشاهيرها على طريق الاختصار؛ فإن لها تعلقاً بما نحن فيه.
فمنها: دير القائم الأقصى، على شاطئ الفرات، بطريق الرقة.
يقول فيه هاشم بن محمد الخزاعي:
بدَيْر القائم الآقْصَى ... غزالٌ شادِنٌ أحْوَى
بَرَى حبِّي له جسمي ... ولا يدْرِي بما ألْقَى
وأُخفي حبَّه جُهْدِي ... ولا والّلهِ لا يخْفَى
ومنها: دير زكا؛ موضعان.
قال أبو الفرج: دير زكا بالرها.
وقال الخالدي والشابشتي: دير زكا من ناحية البليخ.
قال الرشيد:
غزال مَرابُعه بالبليخِ ... إلى ديْر زَكَّا فجسرِ الخَربْ
ومنها: دير عبدون، وهو بظاهر المطيرة، ببغداد.
يقول فيه ابن المعتز: