ويلِيه شمسٌ فمِيقاتُ مَن في ... حالكاتِ الظلامِ آنَسَ رُشْدَا
وله أولُ الهدى كلَّ وقتٍ ... آخِرٌ إن يكُنْ بلفظكَ فَرْدَا
ومِن دُونه إذا صحَّفوه ... يسْتميل النفوسَ أنَّى تبدَّى
واقْلِب النصفَ منه تنْظُره عن ... كلِّ همامٍ يروِي علاءً ومجدَا
فأجِبِ عنه وابْقَ في ظلِّ عيشٍ ... كل مَدْحٍ إلى جَنابِك يُهْدَى
[السيد محمد التقوى]
التقوىُّ نسبة علوىّ، وهو طبيبٌ طبُّه نبويّ.
وله فكرة في تدبير الأشيا، تكاد ترد ضوء الشمس للأفيا.
فحكمته إشراقيّةٌ مفيضة، وبصيرته شفّافة مستريضة.
فلو عالج البروق لأزال خفقانها، أو الشمس عند الغروب لأذهب برقانها.
أو البدر لما وجد المحاق إليه سبيلا، أو النهار لكان له على خلاصه من الليل قبيلا.
فتفرّسه أوضح من النجوم لبطليموس، ورأيه إلى رأى جالينوس كالعاج عند الآبنوس.
فما سرى ذهنه في استدفاع مرضٍ يقتضيه، إلا وكانت الصحة ممتثلةً ما يأمر به وطوع ما يرتضيه.
فكأن فكرته تمازج من العليل جسماً وروحاً، فيظن من توفيقه الذي أوتيه أنه وحىٌ إليه يوحى.
وله من الكلام الذي تخالط أجزاء القلوب رقّته، وتغمض عن أوهام الأفكار دقّته.
مالو خوطب به الأخرس تكلّم، أو علّم به الطير فنون العبارات لتعلّم.
وقد أوردت له ما يتخذه لمرض الدهر علاجا، ويستضيء به فجر المعارف تعرّضا وانبلاجا.
فمنه قوله:
سرتْ والليلُ محلولُ الوِشاحِ ... ونَسْرُ الجوِّ مبلولُ الجناحِ
وعِقْدُ الزهرِ منتظمُ الدَّرارِي ... كثَغْرِ البِيض يبسَم عن أَقاحِ
وزاهِي الروضِ أسْفَر عن زهورٍ ... بها ظَمأٌ إلى ماءِ الصباحِ
كأن كواكبَ الظَّلْماءِ رُومٌ ... على دُهْمٍ تهُبُّ إلى الكفاحِ
إذا انْعكستْ أشِعتُها تَردَّتْ ... على صفحاتِ غُدرانِ البِطاحِ
تُحاول سَتْرَ مَسْراها بوَهْنٍ ... وقد أرِجتْ برَيَّاها النَّواحِي
فواعجَبا أتَخْفَى وهو بدرٌ ... وشمسٌ في الحضائرِ والضَّواحِي
أما علمتْ عَبِيرَ المسك منها ... ينِمُّ بها إلى واشٍ ولاَحِ
مُهَفْهَفَةٌ يَغَارُ البدرُ منها ... ويُخجِل قَدُّها هِيفَ الرماحِ
تمازَج حبُّها بدمي وروحِي ... مِزاجَ الرَّاحِ بالماء القَراحِ
فأصبح في المَلا طبْعي وخُلْقِي ... دَماً في الطبعِ عنه بلا بَراحِ
كأنَّ الله لم يخلُق فؤادي ... لغيرِ الوجدِ بالخُودِ الرَّدَاحِ
أحِنُّ إلى هَواها وهْو حَتْفِي ... كما حَنَّ السقيمُ إلى الصلاحِ
وأصْبُو والصبابةُ بَرَّحْتنِي ... وأنْحلتِ الجوارحَ بالبَراحِ
فلولا الطيرُ يمسِك من خيالي ... لطار من النُّحول مع الرِّياحِ
أبُثُّ لَطْرفها شكوَى غرامي ... وهل يشكو الجريحُ إلى السِّلاحِ
وأطمع أن يُزايلني هَواها ... وهل حَذَرٌ من المقدورِ ماحِ
فلا تأْوِ لكَسْرةِ ناظِريْها ... فكم أوْدَتْ بألْبابٍ صِحاحِ
أفِقْ يا قلبُ ليس الحبُّ سهلا ... فكم جِدٍّ تَولَّد من مِزاحِ
رُوَيْدَك كم تبِيتُ تَئنُّ وَجداً ... كما أنَّ الطعِينُ من الجراحِ
وقائلةٍ أرى نَجْما تبدَّى ... بليلِ عوارضٍ كالصبحِ ضَاحِ
أبَعْدَ الشَّيْب تمزَح بالتَّصابي ... وتَمْرح في بُرودِ الإفْتضاحِ
فما ماضِى الشَّبِيبة مُسْتَرَدٌّ ... ولا الخُسرانُ يسمحُ بالرَّباحِ
فدَعْ حبَّ الغوانِي فهْو غَيٌّ ... وتفْنِيدٌ يَحِيدُ عن الفلاحِ
وله من قصيدة يمتدح بها الوزير نصوح، ومستهلها:
حّيَّاك سَرْحةَ دارةِ الآرامِ ... وحَباكِ دِيمة مُزْنةٍ وغَمامِ
إلى أن قال فيها:
ذَاك النصوحُ أبو الوزارة مَن رَقَى ... فَلَكَ العُلى وعلا على بَهْرامِ
ومنها: