للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما أنسَ أيَّامهَا والصِّبا ... أرَنُّ يجرُّ ذيولَ الجذَلْ

ومسًّ رقيقُ رداءِ النَّسيمِ ... على عاتقِ الرَّوض بعض البلَلْ

إذا الدهرُ مَيْتُ النَّوى واللِّحا ... ظُ عنَّا وأحداثُه تُعتقَلْ

وذنبِي فيه أميرُ الذُّنوبِ ... ودولتُه فوق تلك الدُّوَلْ

وأرجع فأقول:

إنَّ حبِّي دِمشقَ إن عدَّ ذَنْباً ... فذنُوبي أجلُّ من طاعاتِي

فمدحي لها لا ينقطع إلى أن تنقطع المدائح، وأثْنِيتي عليها لا تمَلُّ ولو ملَّت التغريدَ الحمائمُ الصَّوادِح.

وأنا مؤمِّلٌ أوْبةً تَسُرّ، فيمتَّع الناظر بتلك الوجوه الغُرّ، والمناظر الزُّهر.

وأُنشِد بلسان المقال، إذا استقامت الحال:

إنَّ ذنوبَ الدهرِ معْفورةٌ ... إن كان لُقياك لها عُذرَا

والسلام.

وهنا وقف الفكر، عن سرد من قصدتُه من العلماء بالذِّكر.

وأجنح إلى قول ابن بسَّام: إن شعر العلماء ليس فيه بارقةٌ تُشام.

لأنها بَيِّنة التكلُّف، ظاهرةُ النُّبُوّ عن الرِّقَّة والتخلُّف.

قلت: وعلَّةُ ذلك اشتغال أفكارهم بما يُعَنِّي، والشعر وإن سَمّوه ترويحَ الخاطر، لكنَّه مما لا يُثمر فائدةً ولا يُغنِي وشتَّان بين من تعاطاه في الشَّهر مرَّة، وبين من أنفقَ في تعاطيه عمرَه.

وقد استثنى ابن بسَّام شعر خلَف الأحمر، وقُطْرُبا. أمَّا خلَف فلقوله في صِفة جواد:

وكأنَّما جهِدتْ قوائمهُ ... أن لا تَمسَّ الأرضَ أرْبَعُهُ

وأمَّا قطرُبا فلقوله:

أن كنتَ لستَ معي فالذِكرُ منك معِي ... ترعاكَ عينِي وإن غُيِّبْتَ عن نظرِي

فالعينُ تُبصِرُ من تهوَى وتفقِدهُ ... وناظرُ القلبِ لا يخلُو من النَّظرِ

وأنا أستثني شيخَنا المهمنداري، المقطوع الشَّقيق، الحقيق بغاية الإطراء عند التَّحقيق.

ورأيتُ الشِّهاب قد نفى الاستثناء واسْتند فيه إلى الإذعان، وجعل حُسنَ بعضِ أشعارِهم من قبيل دعوةِ البخيل وحملةِ الجبان.

وأنا أقول: إنه عالمٌ، وكثيرٌ من أشعارِه عن الزَّيفِ سالِمٌ.

فهو يناقض نفسه بنفسه، إلا أن يتمحَّض لوصفِ الشَّاعريَّة بما تراءى له في حدْسِه.

الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

بقية الباب الأول

في محاسن شعراء دمشق ونواحيها

فصل ذكرت فيه مشاهير البيوت

التي هي في أفق دمشق كالثوابت واضحة الثبوت فمنهم: بيت حمزة زبدة آل البيت، ونقاوة ذلك العنصر لبرأ من اللوِّ واللَّيت.

آل رسول الله ونعم الآل، والموارد الصادقة إذا كذبت الآل.

وسراة لؤي بن غالب، وملتقى النور بين الزهراء وعلى بن أبي طالب.

وهو بيت شيدت دعائمه، وسمت فيه سعود الفلك ونعائمه.

عصابُة فضل أخصب الدهرُ منهمُ ... فأصبح مُخَضرّاً وقد كان مُغْبرَّا

تكاد يَدِي تَنْدَي إذا مالمستُه ... وتُنبِتُ في أطْرافها ورقاً خَضْرا

لهم المجد السابق، وبهم يضىء الحسب الباسق.

ما ولدوا غير نجيب، ولا دعوا إلا كان الدهر أول مجيب.

وقد رأيت أبياتاً ذكرها صاحب دمية القصر، لم أر من تتنزل عليه إلاَّ هم بأداة الحصر.

وهي:

سقى آلَ حمزةَ صَوْبُ الحيا ... فهم في حساب العُلى الحاصِلُ

هم الزَّائدون هم الفاضلون ... وغيرُهُم الزائد الفاضلُ

لسانِي عن حالهم سائلٌ ... ودمعي على إثْرهم سائلُ

إذا كنتُ في ظِلِّهم قائلاً ... فإنّي بفضلهمُ قائلُ

فمنهم:

[السيد محمد بن السيد كمال الدين]

الشريف الرضي بنقابته وكفايته، والسامي عليه برعاية التفنن وحفايته.

فهو البحر الذي لا يدرك شاطئه، والرئيس الذي تقبل بشفاه الأجفان مواطئه.

نصب شباك الأفكار فاقتنص ما به كمال نوع الإنسان، ووفر الله له دواعي الحظ فجمع بين عجائب الحسن وغرائب الإحسان.

فاستدارت منطقة المجد حول مركز سيادته، واستنارت كواكب المعالي الزاهرات بأضواء سعادته.

فكانت له الفردوس حضرة، ونعيم خلدها يرف عليه نضرة.

وأناته من رجاح رضوى، وقسماته من البدر أضوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>