للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: هذا ما وصل من أشعاره إلى، والمنة لمن منحني به علي.

وقد قيل: من أحيي قلب صديق، بكلام رقيق، أمن من كل حريق، وسلم في كل مضيق.

ولو استزدت لزدت، وما قلت عسيت أو كدت.

حسين بن شههاب الدين

بن حسين بن محمد بن يحيى ابن جاندار البقاعي الكركي

باقعة البقاع، المخجل بغرره وجوه الرقاع.

طلعت محاسنه طلوع النجوم الزواهر، وسعدت تلك البقاع بآدابه المعجبة البواهر.

وإذا تأمَّلتَ البقاعَ وجدتَها ... تشْقَى كما تشقى الرجالُ وتسعَدُ

وهو وحيدٌ في كرم ضرائبه، متفرد بكثرة عجائبه وغرائبه.

تستوعب محفوظاته المقروء والمسموع، وتجمع معلوماته ما هو في الحقيقة منتهى الجموع.

وله أدب جزل، وجدٌ مقرون إلى هزل.

وأما نظمه فبابل منشأ كلامه، وما أنزل على الملكين في ضمن أقلامه.

وكان في أخريات أمره، حين لم يبق إلا قذىً في كأس عمره.

اشتغل بالطب فأتقن قواعده وأحكم، ولعب بالأرواح والأجسام كما شاء وتحكم.

ولكنه طاشت سهام رأيه عن أغراضها، وأصابت فما أخطأت النفوس في تخليصها من آلام أمراضها.

فكم عليلٍ دبَّ فيه علاجه ثم درج، فأنشد:

أنا القتيلُ بلا إثمٍ ولا حَرج

وتلاعبت به الظنون في مهاوى العربة، إلى أن دخل الهند وهو سفير الفقر والكربة.

فاستقبله النظام ابن معصوم ببريد كرمه، وأنزله حيث استرد شبابه بعد هرمه إلا أنه لم تظل مدته، حتى أخلقت بحادث الموت جدته.

وقد أوردت من محاسنه التي بهر اتقادها، وبعد عن مظان أولى النباهة انتقادها.

ما تستهدي منه شمالي الرُّبى آذنت لصحة الأجسام بالتكفل، ونسيم الصبا جاءت بعرف الصندل وريا القرنفل.

فمنه قوله، من قصيدة، مستهلها:

هو الحب لا يْبقَى على النَّأْيِ بارِحَا ... فصبراً وأنَّي يردعُ الصبرُ جامِحَا

حليفَ غرامٍ مُدْنَفٍ فتكتْ به ... جوارحُ ألْحاظٍ تُذيب الجوارحَا

وهل يُرْتجىَ بُرْءُ السليم الذي غدتْ ... عليه أماراتُ الهلاكِ روائحَا

أراقتْ دمي بالسَّفْح غرَّاءُ ناهدٌ ... على مثلِها أمستْ دموعي سوافِحَا

مضتْ غيرَ ما أبْقتْ من الوجدِ والأسَى ... ليالٍ بنا نلْنَا المُنَى والمنائحَا

برَغْمِي حلَلْت الدمعَ بين طلولُهم ... فلم أرَ مُرّاً يُرجِع القلبَ فارِحَا

خَلاَ مَلْعب أوْدَى بأرجائِه البِلىَ ... تُلاعُبه هُوجُ الرياض روائحَا

وعهدِي به بالأمْسِ للعينِ مألَفٌ ... فعُوِّضَ عنهنَّ ابنُ دَايةَ نائحِاَ

ابن داية: الغراب، وهو علم جنس ممنوع من الصرف، سمي به لأن أنثاه إذا طارت من بيضها حضنها الذكر فيكون كالداية للأنثى.

وكان جَلاءَ الناظريْن من القَذَى ... فأضحى يردُّ الطَّرف بالدمع سافحَا

فيا مُمْتطِى كَوْماءَ كالهِقَل جَسْرَةٍ ... عَرَنْدية تطوِى الرُّبَى والأباطِحَا

الكوماء: الناقة الطويلة السنام.

والهقل: الفتى من النعام.

والجسرة: الناقة القوية، ويقال هي: الجرية.

والعرندية: الناقة القوية.

إذا عاينَتْ عيْناك كُثْبانَ رَامةٍ ... وجازتْ بك الوَجْناءُ تلك الصَّحاصِحَا

أنِخَها برَبْعٍ يَنْفح الرِّيحُ رائحاً ... تجاهَك من رَيَّا شَذاه الرَّوائِحَا

وبلِّغ رعاك اللهُ من أُهَيْلَه ... سلاما كنَشْر المَنْدَل الرَّطْب نافحَا

وقل لهمُ خلَّفتُ بالشامِ مُدْنَفا ... صريعَ اشْتياقٍ نائِىَ الدارِ نازِحَا

يئنُّ ويشكُو بانْتحابٍ ولوعةٍ ... نَواكُم إذا أرْخَى الظلامُ المَسائحَا

عسى أَوْبةٌ تطفِى لهيب جوانحِي ... إذا كنتَ لي فيما تحملَّتَ ناصِحَا

فبِي ظمأٌ لو كان بالتُّرْبِ ما عدَتْ ... على صفحِة الأرض المِياهُ سوائحا

ولو أن أنْفاسِي أصاب سعيرُها ... رياحَ الغَضا ما كُنَّ يوماً لواقِحَا

فيا قلبُ صبراً إن يكُ الصبرُ نافعا ... فمن حارب الأيامَ لم يُلْفَ رابحا

<<  <  ج: ص:  >  >>