للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا زالت السحائب الحوامل، تضع مشهد قبره كل طلٍ ووابل.

وله شعر ليس مثله عليه بمستنكر، فالإتيان به غير مستكثر.

فمنه قوله:

قد يُلْبِس الشعرَ شوقى تارةً حُلَلاً ... كوشْىِ صَنْعَاء يزهو فوق حَسْناءِ

وتارةً ليس شَمْلِي فيه مجتمِعاً ... فيْعتريه فتورٌ عند إلْقائِي

وقوله:

دَعِ الحبَّ إن الحبَّ للعقلِ سالبُ ... وعِشْ خالياً فالحب فيه النَّوائبُ

فلا يصْلُحَنْ إلَّا لمْثلى فإنني ... فتىً دون نَعْليْه السُّها والكواكبُ

فمَن كان مثْلي كان بالحبِّ لائقاً ... وإلَّا فصَبٌّ بالصبابِة لاعبُ

وقوله:

إن غبْتَ عن ناظرِي يا مَن كلِفتُ به ... فما أراك عَقِيبَ الآن في عمرِي

لأنّ عيْنيَ تجرى بعد فُرْقِتكمْ ... دماً ويتْبعُه ما طُلَّ من بَصَرِي

وقوله في الرباعيات:

وللهِ وحقِّ مُحكماَتِ السُّوَر ... ما غبْتَ عن الفؤادِ بل عن بَصَرِي

من منذ غَدوْتُ في هواكم دَنِفاً ... أيامُ نَواكَ لم تكنْ من عمري

وكتب إلى جدي محب الله:

يا مَن أياديِه سحابٌ ممطِرُ ... ولديْه حاتمُ في السَّخا لا يذكَرُ

وعليه من سِيمَا الكرام دلالةٌ ... وشواهدٌ تبدُو عليه وتظهرُ

طوَّقْتني من راحَتْيك بمِنَّةٍ ... أضْحتْ على طُول الليالي تُنشَرُ

لم أقْضِ حقَّ ثَنائها لو أن لي ... في كلِّ جارحةٍ لساناً يشكرُ

وله:

أنا واللهِ ما الجفاءُ غرامي ... لا ولاه الهجرُ والصدودُ مَرامِي

ولئِنْ غبتُ عنكمُ ففؤادِي ... مثلُ ما تْعهدون بل هو نامِي

وله:

للهِ بدرٌ قد حكى بخدودِه ... وردَ الرُّبى وشقائقَ النُّعمانِ

وبِثْغره زهرَ الأقاحِ مُنضَّدٍ ... وبِقدِّه المَيَّاسِ غصنَ الْبانِ

وبطِيبِه طِيبَ الرياض ونَشْرَها ... وبِصُدغه لْلآسِ والرَّيْحانِ

وإذا محاسنُه بدَتْ لعيونِنا ... تُجْلَى فلا تحتاجُ للبُستانِ

هذا فيه سماتٌ من قول جحظة البرمكي:

خِلْتُه في المُعصْفَرات القَوانِي ... وردةً في شقائقِ النُّعمانِ

أنتِ تُفَّاحتي وفيك مع التُّفَّا ... حِ رُمَّانتانِ في غُصْنِ بَانِ

لا أرى في سِواكِ ما فيكِ من طِي ... بٍ ومن بهجةٍ ومن رَيْحانِ

وإذا كنتِ لي وفيك الذي في ... كِ فما حاجتي إلى البستانِ

بيت القاري من البيوت التي تقلد فخرها جيد الدهر، واكتسب النسيم بعرف ثراها أرج الزهر.

مدائحهم كصحائف المحسنين بياضاً ونقا، وذكراهم كعهد الموقنين وفاءً وتقى، فمنهم:

[عمر بن محمد]

علم فضل وإنصاف، وشرف نعوت وأوصاف.

افتخر به الآباء والبنون، وتجملت بفضائله الشهور والسنون.

شهرته من العلم شهرة القمر ليلة بدره، ومحله من الكمال حيث يستمد كل ذي قدرٍ قدره.

عمر الله به دار ابن عامر، وجاد نافع نواله فهو لمستنجد عاصم ولمجتديه غارم.

وبالجود تحوز المدح الأفاضل، كما أن الرياض تصدح فيها البلابل.

تحلت بفضائله للعلوم نحور، وتجلت له منها ولدان وحور.

سطور سبح نظمت لآليها من الدر النثير، إذا رأتها الأنام اشتغلت بالتسبيح والتكبير.

وله أدب توشعت بصنعة السحب وشائعه، وبلغ كلا الخافقين مشهوره وشائعه.

وهو في القريض قليل الكلام، إلا أن كلامه يكتب لتشريف الصحف والأقلام. فمن شعره قوله:

لولا ثلاثٌ هُنَّ أقْصى المُرادْ ... ما اخْترتُ أن أبْقى بدتار النَّفادْ

نهذيبُ نفْسِي بالعلوم التي ... بها لقد نِلْتُ جميعَ المُرادْ

وطاعةٌ أرجو بإخْلاصها ... نُوراً به تُشرقُ أرضُ الفؤادْ

كذاك عِرْفانُ الإلهِ الذ ... لأجْلِه كان وجودُ العبادْ

فأسألُ الرحمنَ بالمُصطفى ... وآلِه التَّوفيقَ فهْوَ الجَوادْ

<<  <  ج: ص:  >  >>