للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن كان بهذه الصّفة، فلا ينبغي الوثوق به، ولا التأسّف على فقده، ولا التألم على فرقته، ولا الحزن على غيبته.

فصل في تهنئه بفتح:

بعد تهنئة بتأييد عزائمه، وسفك دماء العدي على ألسنة صوارمه.

ظهرت في سماء السّعد مطالعه، وشرفت أقلامٌ سطّرت بها وقائعه.

فهو الفتح، الذي قضى على دم العدى بالسّفك ودموعهم بالسّفح، وتلت لديه آيات التهاني: " إذا جاء نصر الله والفتح ".

وسيوفه وإن كانت باكية دماً فقواضبها بهذا الفتح ضاحكة، وجنوده منصورة كيف لا! ومن أنصاره الملائكة.

فصل في الحثّ على المواعيد

مثله من يتبع قوله بفعله، ويأنف من تكرير عطائه بمطله.

فإن مرارة المطل تذهب حلاوة الإعطا، وتكرير الطلب يشرب ماء الحيا.

والمرجوّ تحقيق رجاء العبد بالإنجاز، وتبليغه ما أمّله وأمّ له إن جاز.

[فصل في شكوى حال غريب]

وينهى أن غين الغربة قد أوقعته في هاء الهواء، وكاف الكربة رمته في ألف الأشجان.

وأصبح صاد صبره مفقودا، ونون نواله مطرودا.

فعسى لحظةٌ منك تخلّصه من غين غوائل الدهر، وتنقذه من قاف القهر.

فصل في مخاطبة محدّث

سلامٌ يتّصل به سند المحبّة والشوق، ويتسلسل معه حديث الغرام والتوق.

وقد صحّت من الضّعف آثاره، وحسنت من طريق المحبّة أخباره.

من عنعنت بالسّند العالي أحاديث كماله، من غير إبهام ولا انقطاع ولا إنكار لمسانيد فضله وأفضاله.

فصل في مخاطبة منطقيّ

سلامٌ تنطبق كلّيّاته وجزؤيّاته على قضايا الأشواق، وتنتهج مقاماته من الأشكال ما يعجز عن وصف خاصّة الرّسم والحدّ من الاشتياق.

فصل في مخاطبة نحويّ

سلامٌ تبرز ضمائرالشوق من توضيح مسالك معانيه، وتظهر عوامل الغرام من معربات مبانيه.

يهديه محبٌّ انتصبت محبته على التمييز، وارتفعت مودّته بماضي عهدكم لأنه يرى أن العهد عزيز.

محبٌّ مبتدأ أحواله لايعرب عنه الخبر، وأفعال أشواقه لا يحكيها إلاّ من له خبر.

بشير الخليلي أديب بلطف الطبع مذكور، وفضله غير مجحود ولا منكور.

له ذهن يكشف الغامض، ويسبق البارق والوامض.

ومذهبه ينشره الأدب ويبسطه، وطبعه يمرح به الزَّهر وينشطه.

أقرَّ عين الخليل بالعروض، واتخذ نقد القريض في ذمَّته من الفروض.

وهو ممن نظمت كلماته نظم اللآل، إلا أنه غرَّته مطامعه في المدائح غرة الآل.

يتكثَّر من العدة، ويتقلل من الجدة.

فما أخصب له وادٍ ولا نما، فكأنه العروض بحرٌ بلا ما.

وأنا لم أقف من شعره إلى على قصيدة لاميَّة، راجع بها الإمام خير الدين الرملي عن قصيدة على وزنها.

مطلعها:

ما كان مَرْمَى فؤادي حيث هُيِّءَ لِي ... فيه البناءُ بهنْدٍ بعد مُرْتَحَلِي

وقصيدته هي قوله:

صَوْبٌ من الغيثِ وافَى زائدَ الهَطَلِ ... أحْيَى رُبَي القُدس بعد الجَدْب والمَحَلِ

أم شمسُ فضلٍ ترقَّتْ في مطالِعها ... أوْجَ الفَخارِ فحلَّتْ ذِروةَ الحَمَلِ

أم بدرُ أُفْقِ المعالي قد تنقَّل في ... برُوجِه وكمالُ البدر في النَّقَلِ

لا بل هو الجامعُ العَرْفَ الذي ملكتْ ... أوصافُه الغُرُّ رَحْبَ السهلِ والجبلِ

أراد ربُّك في تحْريكِه حِكَماً ... وربَّما صحَّت الأجسامُ بالعِلَلِ

فزيَّن المسجدَ الأقْصى بحِلْيته ... وشَوَّه الرَّملةَ الرَّمْلاء بالعَطَلِ

فاهتزَّ من طَرَبٍ هذا لزَوْرته ... وارتجَّ من حَرَبٍ هذا لمُرتَحَلِ

فكم على الساحل البَحْرِيّ من حَزَنٍ ... وكم عل المسجد القُدسِيّ من جَذَلِ

وكيف لا وهو خيرٌ إن أقام على ... أرضٍ تسامتْ وإن يرحَلْ فلا تَسَلِ

تجمَّعتْ فيه أوصافُ الكمال كما ... تجمَّعتْ قِسَمُ التَّفْصيل والجُمَلِ

أحْيَي الدُّروسَ وقد أحْفَى الدُّروسُ بها ... وجاد وابِلُها الظمآنَ بالنَّهَلِ

معالمٌ لو رأى الرَّازِي حقائقَها ... لَبات بالرّيِّ يشْكو أبْرَحَ الغُلَلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>