للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَرِّف حدودَ رُسومِها ... وامنَحْ برأْيٍ منك يُرْسَمْ

علِّقْ غَرِيبَ حديثِها ... فمَحاسنُ الآدابِ تُرْقَمْ

في هذا البيت إشارةٌ إلى قاعدتين من علوم الحديث.

الأولى المعلق، وحقيقته ما سقط من مبادي سنده رجلٌ بعد التابعي أو رجلان، وهو من قسم المردود؛ للجهل بحال المحذوف.

والثانية الغريب، وهو ما تفرد بروايته شخصٌ واحد في أي موضع من السند.

وابعَثْ قرِيضَك عُوذةً ... لفؤادِ مُختبَلٍ مُهَيّمْ

فالشوقُ أنْجَد فيه ل ... كنْ صبريَ المسكينُ أتْهَمْ

وارْغَبْ إلى الوهَّاب في ... جَمْعٍ لفُرْقِتنا مُنظَّمْ

وخِتامِ عُمْرٍ من شَذَا ... نَفحاتِه الأعمالُ تُخْتَمْ

فأجابه بقوله:

بأبِي وبِي عَيْشٌ تقدَّمْ ... كان المُنَى لو أنه تَمّ

أيامَ أرْفُل في ثِيا ... ب شَبابِيَ الْهانِي المُنعَّمْ

[فائدة]

إنما سمي الغزل تشبيباً؛ لذكر الغريب فيه أيام الشباب، فما بكت الأعين شيئاً كما بكته، ولا رثت غائباً باشعارها كما رثته.

ويروى أن منصور النمري لما أنشد هارون الرشيد أبياته العينية التي منها:

ما تنْقضِي حسرةٌ منِّي ولا جزَعُ ... إذا ذكرْتُ شباباً ليس يُرْتَجَعُ

ما كنتُ أُوفِي شبابِي كُنْه قِيمَتِه ... حتى مضَى فإذا الدُّنْيا له تَبَعُ

استعبر الرشيد، وأجرى دمعه ذلك النشيد.

وما أشجى قول ابن طباطبا:

للهِ أيامُ الشسبابِ فإنَّها ... كانت لسُرعةِ مَرِّها أحْلامَا

لو دام عَيْشٌ رحمةً لأخِي هَوىً ... لأقام ذلكم السرورَ دَوامَا

يا عيْشَنا المفقودَ خُذْ من عيْشِنا ... عاماً ورُدَّ من الصِّبا أيَّامَا

وأشجى منه قول ابن الأثير في المثل السائر، من رسالة: أعوامٌ تعد أياماً لقصر أعمارها، وشهورٌ لا يشعر بأنصافها ولا سرارها.

فالأوقات بها أصائل، والمحاسن فيها شمائل، والمآرب في ساعاتها رياضٌ في خمائل.

فما أدري أهي خيالات أحلام عزت، أم أحاديث أمانٍ مرت.

والأحْورُ الأحْوَى ومعنى الْ ... عيشِ أحْوى الطرْفِ أحْوَمْ

رَشَأٌ مُؤشَّرُ ثَغْرِهِ الْ ... بَرَّاق مَعْسولٌ مُوشَّمْ

كأسٌ كخاتِم فِضَّةٍ ... أضْحَى بمِسكِ الخالِ يُخْتَمْ

يُذْكِي الغرامَ مُبَرَّدٌ ... منه مليحُ الطعمِ والشَّمّ

لو أشْرقتْ للبدرِ غُرَّ ... ةُ وجهِه صَلَّى وسلَّمْ

من أجْلِه قد سَلْسلَتْ ... عيْنِي حديثَ الدمعِ عن دَمْ

يا ليْته يوماً يَرِقُّ ... لحالِ مظلومٍ تظلَّمْ

حتَّى مَ أشكُو واصْطبا ... رُ أخِي الهوى فَرْضٌ مُحتَّمْ

للهِ مولىً مالكٌ ... أهْدَى ليَ الدُّرَّ المُنظَّمْ

أهْدَى لِيَ الوردَ الجَنِيَّ ... وقالَ لي فاشْتَمَّ والْثَمْ

يا مالكِي والمالكُ الْ ... مولَى جزيلُ الفضلِ يخدمْ

شرَّفْتني ولك الفخَا ... رُ كما لَك الشرفُ المقدَّمْ

بمُشَرِّفٍ لقُدومِه ... قدِم الربيعُ وخيرُ مَقْدَمْ

فكحَلْتُ منه ناظرِي ... بالشمسِ والبدرِ المُتَّممْ

والسبعةُ الأفلاكُ جا ... ءتْ في دقائِقه تنظَّمْ

ما زلتُ أطْوِيه وأنْ ... شرُه وأمْسحُه وألْثَمْ

هو نُصْبُ عيني مُذْ أتَى ... ما زال بيْن الفْتحِ والضَّمّ

ما زلتُ أسْتشْفِي به ... ورسائلُ الأحبابِ مَرْهَمْ

فرأيتُه لِجَوايَ أحْ ... سَنَ قاطعٍ لي وأحْسَمْ

وشكرتُ أجملَ نعمةٍ ... من فضلِ مَولانا وأجْسَمْ

ونظَمتُ حَصْباءَ التُّرا ... بِ ولم تكن ممَّا تنَظَّمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>