للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو نُور حَدَقة الناظِر، ونَوْر حديقة الغُصْن الناضِر.

رَوَّح طَبْعَه برَوْح الشَّمُول والشَّمال، فنَبغ وله الفضلُ أحْسَن ما صوَّر صُورتَه الكمال.

وله في الشِّعر أفانين، أطْرَب من رَنَّاتِ القوانين.

فمن شعره قوله في الغَزَل:

يا مَن رَمانِي بسهمِ اللَّحْظِ فِيَّ مَضَى ... أوْحَشْتِني وحَشَوْتَ القلَب جمرَ غَضَا

كسَرتَ قلبي بتكْسِير الجُفونِ كما ... نصَبْتَ حالِي لأسْهامِ الجفَا غَرَضا

فكم نَصبْتُ لك الأشْراكَ في حُلُمٍ ... لعلَّ طَيْفَك وَهنْاً في الكرى عَرَضَا

وأُضْرِمُ النارَ بالذكرَى على عَلَمٍ ... من مُهْجتِي يهْتدِي بالنارِ حيث أضَا

إنْ قِسْتُ وجهَك بالبدرِ المنير على ... غُصْنٍ على كُثُبِ الجَرْعاءِ ذاتِ أَضَا

للِه ظَبْيٌ حَشَا بالسِّحْرِ مُقْلتَهُ ... فكم جَلَيْتُ به أسْتارَه حَرَضَا

في فِيهِ عَيْنٌ وعَيْنٌ فيه جَوهرةٌ ... من الحياةِ وبَرْقٌ للمُنَى وَمَضَا

وقوله:

لا غَزْوَ إن كنتَ تَجْفُو الإنْسَ يا رَشَأٌ ... فمن خِصالِ الظِّبا أن تنْفِر الْبَشَرَا

يا لْيتني كنتُ وَحْشِيَّاًّ أُنَزِّهُ في ... مَفْتونِ وجهِك في سِقْطِ اللِّوَى نَظَرَا

وكتب إليه بعض الأدباء:

يا أبا إسحاقَ قُلْ لي مُوجِزاً ... أيُّ شيءٍ مُبْرِد حَرَّ النَّوَى

قد أبَتْ إلا سُهاداً مُقْلتِي ... وانْسكابَ الدَّمْعِ شَوْقاً لِلِّوَى

فأجابه بقوله:

زَارنِي رَوْضُ بَيانٍ سَحَراً ... جامِعٌ بين رُواءٍ وروَى

تتهادَى في الحَشَا نَفحْتُه ... طلبتْ منِّي دَوَا داءِ النَّوَى

قلتُ عن طِبٍّ وما يُعْزىَ لمن ... جرَّب الأمر عليه بالدَّوَا

عِرْقُ وَصْلٍ ونَباتُ الصَّدْرِ مِن ... ماءِ ثَغْرٍ أشْنَبٍ كلٌّ سَوَا

فاسْحَقَنَّها بمَهاريسِ اللِّوَى ... وأشْرَبَنْها بكُؤوسٍ مِن هَوَى

فْهو تِرْياقٌ لأمْراضِ النَّوَى ... مُطْفِئٌ بيْن الْحَشا جَمْرَ الْجَوَى

محمد بن يوسف التّامليّ

من أعْيان المغرب عِلْماً ونَفاسَةً، إذا ذُكِر سَناؤُه عطَّر نسيمَ الرياض بعَرْفِه أنْفاسَه.

مَرامِيه الآخذة للقلوب مُصْمِية لأغراضِها، وعُيونُ أشْعارِه مادَّةُ الفُتونِ في صِحاحِ الأجْفان ومِراضِها.

أُوتِيَ نَصاعةَ المُقْتَرَح وطَلاوةَ اللَّسَن، فوقف البيانُ حائراً على كلامِه لمَّا رآه جامعَ القولِ الحَسن.

وقد ذكرت له ما تهْفُو إليه القلوبُ والضُّلوع، وتَسابَقُ إليه الخواطرُ وبَواعِثُها التَّوَلُّه والوُلوع.

فمن ذلك كتاب كتبه إلى أبي العبَّاس المَقَّرِيّ: إلى السَّيد الذي وقَع على مَحَّبتهِ الاتِّفاق، وطلَعتْ شموسُ معارفِه في غاية الإشْراق، وصار له في مَيْدان الكمال حُسْنُ الاسْتباق.

إمامُ العصر، بجميع أدواتِ الحَصْر.

سَلامٌ من النَّسِيم أرَقّ، وألطَف من الزَّهر إذا عَبِق.

وبعد؛ فأخبارُكم تَرِدُ علينا، وتَصِلُ دائماً إلينا، بما يُسرُّ الخاطِر، ويُقِرُّ الناظِر، مع كلِّ واردٍ وصادر.

كتبتُ إليكم من الحضرة المَرَّاكُشِيَّة مع كثرة أشْواق، لا تَسَعُها الأوراق.

كتبَكُم الُله فيمن عنده، كما جعلكم ممَّن أخْلصَ في مُوالاة الحقِّ قَصْدَه.

ووُدِّي إليكم غَضُّ الحدائق، مُسْتَجْلٍ في مَطْلَع الوفا بمَنْظَرٍ رائق، لا يُحِيلُه عن مركز الثُّبوت عائق.

وحَقِيقٌ بمَوَدَّةٍ ارْتبطتْ في الحق ولِلْحَقِّ مَعاقِدُها، وأُثْبِتتْ على المَحبَّة في الله قَواعدُها؛ أن يزيدَ عَقْدُها على مَرِّ الأيام شِدَّةً، وعَهْدُها وإن شَطَّر المَزارُ جِدَّة، وأن تُدَّخَر للآخرة عُدَّة.

وإنِّي لَمَن يعتقدُ مُوالاتكم عَمَلاً صالحاً يُقرِّب إلى الِله ويُزْلف إليه ويعْتمدُها أَزْراً يُعوِّل في الآخرة يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه عليه.

فإنكم وَاليْتُم فأخلصتم في الْوَلا، وعَرفْتُم الله فقُمْتُم بحقوقِ الصُّحْبةِ على الوَلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>