مَن شرَّف البلدةَ الشهباءَ مَقدَمُه ... ففاخرتْ جُلًّ مُدْنِ العُرْب والعجمِ
أقام فيها عمادَ الشرع مجتهداً ... حتى روَتْ حسنَها للناس عن إِرَمِ
وله من أخرى:
هو في الفؤاد وشخصُه ناءٍ عن الْ ... ألحاظْ فهْو مسافرٌ ومُقيم
سحَر العقولَ بلَحْظِه فكانما ... في الجَفْنِ دُرُّ كلامك المنظومُ
يا أيها المولى الذي أحْيَى رُبو ... عَ الفضل والأفْضال وهْي رَميمُ
أعطيتَ دهرَك من خِلالك خُلَّةً ... فغدا كريم الفعلِ وهْو لئيمُ
وله، وتعزى لوالده:
صدرَ الوجودِ وعينَ هذا العالَمِ ... ومَلاذَ كل أخِي كمالٍ عالِمِ
إن لم تكن لذَوِي الفضائل منقِذاً ... من جَوْر دهرٍ في التحكُّم حاكم
فبمن نلُوذ من الزمانِ وبابَ من ... نَنْتاب غيْرَك في المُهِمِّ اللازمِ
فبِحقِّ مَن أعْطاك أرفعَ رتبةٍ ... أضحى لها هذا الزمانُ كخادمِ
وحَباك من سُلطاننا بمواهبٍ ... تركتْ حسودَك في الحضيضِ القاتِمِ
فإذا تتوَّج كنت دُرَّة تاجِه ... وإذا تختَّم كنت فصَّ الخاتمِ
إلاَّ نظرتَ بعين عطفِك نحوهم ... وتركتَ فيهم كلَّ لَوْمةِ لائمِ
ورَعيْتَ في داعِيك نِسْبته إلى ... خيرِ البريَّة من سُلالة هاشمِ
فالوقتُ عبدك طَوْعُ أمرك فاحْتكمْ ... فيما تشاءُ فأنت أعدل حاكمِ
فإذا تتوج، هذا تضمين، فإن البيت للمتنبي، من قصيدته التي أولها:
أنا منك بين فضائلٍ ومكارم
ومما يحسن له قواله في التشبيه:
ثلاثُ شاماتِه على نَمَطٍ ... في جانب الخدِّ وهْي مصفوفَهْ
كأنها أنجُم الذِّراع بدَتْ ... في جانب الشمسِ وهْي مكسوفهْ
وقد تناول هذا المعنى صاحبنا عبد الباقي بن السمان، في قوله:
وكأن خالَيْه اللَّذَيْن بخدِّه ... والشمسُ في وجَناتِه لم تغرُبِ
نَجْمان قد كسَفتهما شمسُ الضحى ... أو نُقطتا حِبْر بطِرْسٍ مُذْهَبِ
وأصل هذا المعنى لابن خفاجة الأندلسي، في قوله:
غازلْتُه من حبيبٍ وجهُه فلَقٌ ... فما عدا أن بدا في وجهِه شفَقُ
فارْتجَّ يعثُر في أذْيال خَجْلتِه ... غصنٌ بعِطْفيه من إسْتَبْرقٍ ورقُ
تخالُ خِيلانَه في نُورِ وَجْنتِه ... كواكباً في شُعاعِ الشمس تحْترقُ
؟؟ السيد عبد القادر بن قضيب البان
بحر معارف خضم، وطود فضائل أشم.
تأزر بالإحسان وارتدى، وراح في تكميل النفس واغتدى.
هذا وعهده بالشباب قريب، وحديثه ليس بمنكر ولا غريب.
ثم أطال التجول، وأكثر في البلاد التحول.
فدخل الحجاز واليمن، وأقام بها مدة بمنزلة فصل الربيع من الزمن.
ثم رجع إلى دياره، وألقى بها عصا تسياره.
فقعد مقعد السها، وعقل لديه النهى.
وتماسك عن الدنيا عفافا، والتف بالمعارف الإلهية التفافا.
مع شهرة كشهرة ضوء الصباح والمصباح، وطلعة يستفاد من لألائها نور الفلاح والرباح.
وهناك ما شئت من وقارٍ يطيش له ثبير، ومقدار يصغر لديه كل كبير.
إلى يدٍ تفرج إذا ضاق الإعدام، وقدمٍ تثبت إذا زلت الأقدام.
وله أشعار في الحقيقة تحرك السواكن، وتبعث الأشواق الكوامن.
اوردت منها ما إذا وصف رأيت الحسن مجتمعا، وإذا تلي أبصرت كل شيءٍ مستمعا.
فمنها قوله:
أرى للقلب نحوكُمُ انْجِذابَا ... لأسمعَ من خطابكُمُ خطابَا
فكم ليلٍ بقُرْبكمُ تقضَّى ... إلى سَحَرٍ سجوداً واقْترابَا
وكم من نشوةٍ وردتْ نهاراً ... فلا خطأ وَعيْتُ ولا صوابَا
وكم سَحَّتْ علينا من نَداكمْ ... غُيوثٌ لا تفارقُنا انْسكابَا
وكم نفَحاتِ أُنْسٍ أسكرتْنا ... بها حضر الصَّفا والقبضُ غابَا
توافقتِ القلوبُ على التَّدانِي ... فلم نشهدْ به منكم حجابَا