إن في الموجِ للغريق لعُذراً ... واضحاً أن يفوتَه تعْدادُهْ
وقوله، من قصيدة أولها:
تهلَّل وجه الفَضل والعدلِ بالبِشْرِ ... وأصبح شخصُ المجد مبتسمَ الثغرِ
فيالَك من مولىً به الشعرُ يزْدهِي ... إذا ما ازْدهتْ أهلُ المداح بالشعرِ
فريدُ لمعاالي لا يرى لك ثانياً ... من الناس إلا من غدا أحْولَ الفكرِ
معنى الأول مطروق، وأصله قول أبي تمام:
ولم أمدحْك تفْخيماً بِشعرِي ... ولكني مدحتُ بك المديحَا
وأبو تمام أخذه من قول حسان، في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
ما إن مدحتُ محمداً بمقالتي ... لكن مدحتُ مقالتي بمحمدِ
والبيت الثاني من قول بعضهم:
إنَّ من يُشرِك باللَّ ... هِ جَهولٌ بالمعانِي
أحْوَلُ الفكر لهذا ... ظن للواحد ثانِي
وله من قصيدة:
لاح الصَّبا كزُرقة الألْماسِ ... فلْتصطبِحْ ياقوتَ دُرِّ الكاسِ
من كفِّ أهيفَ صان وردَ خدودِه ... بسِياج خطٍّ قد بدا كالآسِ
كأن مَرآهُ البديعَ صيفحةٌ ... للحُسن جَدْولُها من الأنْفاسِ
في روضةٍ قد صاح فيها الديكُ إذْ ... عطَس الصباحُ مشمِّتا لعُطاسِ
ضحكتْ بها الأنوارُ لما ان بكى ... جَفنُ الغمام القاتمِ العَبَّاسِ
ورقَى بها الشُّحْرورُ أغصاناً غدتْ ... بتموُّج الأرْياح في وَسْواسِ
والوردُ تحمَده البلابلُ هُتَّفا ... من فوق غصنِ قَوامِه المَيَّاسِ
ويرى البَنفْسَجُ عُجْبَه فيعود من ... حسَدٍ لسطْوتِه ذليلَ الرَّاسِ
والطَّلُّ حلَّ بها كدمعِ مُتيَّمٍ ... لِمعاهدِ الأحبابِ ليس بناسِ
فتظنُّ ذَا ثغراً ولا عيناً وذا ... خَدّاً لغانيةٍ كظَبْيِ كِناسِ
واحْمرَّ خدُّ شقائقٍ مُخْضلَّةٍ ... حُمِيتْ بطَرف النرجِس النَّعَّاسِ
حسداً لخدِّ الطِّرس حين غدا له ... خَطُّ القريضِ بمدْح فضلِك كاسِ
وله من أخرى في المدح:
مولاي قُم نلتقطْ من لُؤلؤِ الحِكَمِ ... دقائقاً حُجِبت عن فِطْنة الفَهِمِ
في وصف روضٍ أنيقٍ راق منظرُه ... من الزَّبَرْجَد والياقوت مُنتظِمِ
أما ترى نفحةَ النِّسْرِين عابقةً ... والزَّعْفرانَ سقتْه السحبُ بالدِّيَمِ
والمِهْرجانَ أتى من جَحْفلٍ لَجِبٍ ... من الرياض فأهدى طيِّب النَّسَمِ
تقابلتْ فيه أحْداقٌ لنَرْجِسه ... تحكى فماً مال للتقبيل نحو فَمِ
والنهرَ عاوَد بعد الصدِّ مُنعطفاً ... يَبُّلُّ شوقَ نباتِ الغَوْرِ والأكَمِ
والوُرْقَ غنَّتْ على الأشجار من طربٍ ... مُجيبةً عَنْدَليبَ الدَّوْحِ في الظُّلَمِ
فالْهَجْ بِتَذْكار غِزْلانٍ لواحظُهمْ ... تركْنَ أهلَ الهوى في قبْضة السَّقَمِ
وأهْيفٍ من ظِباء الْحُور مُقلتُه ... عن قَوْس حاجبِه أوْدَتْ بكلِّ كَمِي
إن يهجُر الشاربُ الريَّانُ مَبسمَه ... فالعذبُ يُهجَر بالإفْراط في الشّبَمِ
في صُدْغه طبعتْ أهْدابُ ناظرِنا ... فظنَّه الصبُّ خطَّا غيرَ ملتئِمِ
أدار شمسَ المُحيَّا بدرُ راحتِه ... ممزوجةً برُضاب المَبْسَمِ الشَّبِمِ
من خمرةٍ عُصِرتْ بالبِشْر من قِدَمٍ ... جاءتْ تخبِّرنا عن سالِف الأُمَمِ
في روضةٍ ضحكتْ فيها أزاهرُها ... مُذْ جادَها وابلٌ يهْمِي بمُنْسجِمِ
وقام بُلْبُها يتلو محاسنَ مَن ... شهباؤُنا منه في أَمْنٍ من النِّقَمِ
صدرُ الموالي فريدُ العصر جَهْبَذُه ... ومَن به الناسُ مغمورون بالنِّعَمِ
كهفُ الأنام مَلاذُ الخلق أحمدُ مَن ... فاق الفحُول بفضلٍ غيرِ منكتِمِ