أيا قمراً زانتْ طوالِعُ حُسْنِه ... حواشِي عِذارٍ يبْهَر اللُّبَّ والفِكَرْ
فما شَانَه دَوْرٌ به وتسَلْسُلٌ ... فكَم في حواشِيها لذِي فكْرةٍ نَظَرْ
وقد دار الدور، لقضية التسلسل والدور.
فاسمع فيه قول الظريف:
لِحاظُك أسيافٌ ذكُورٌ فما لَها ... كما زعمُوا مثلَ الأراملِ تغزِلُ
وما بالُ بُرهانِ العِذَارِمُسَلَّما ... ويلْزمُه دَوْرٌ وفيه تسَلْسُلُ
وأعجب منه قولي:
نظَرِي لصُدْغك بُغْيَتِي ... فعلى مَ تمنعنِي النَّظَرْ
والمنْعُ غيرُ مُوَجَّهٍ ... فيه المَقالُ قد اشْتَهَرْ
والدَّوْرُ إن صحِب التَّسَلْ ... سُلَ ليس يخْلُو من نَظَرْ
فكن في هذا ممن لا يرضى بالحواشي والأطراف، ويقنع من اللآلئ بمعرفة ما في الأصداف.
وللكوراني:
بدرٌ أدار على النجومِ برَاحةٍ ... شمساً فنَارتْ في كؤوسِ رحيقِهِ
شمسٌ إذا طلعَتْ كأن وَمِيضَها ... بَرْقٌ تلالا عند لَمْعِ بريقِهِ
يسْقِي وإن عزَّتْ عليه ورامَ أن ... يشْفِي لداءِ مُحِّبه وحريقِهِ
فيُديرُها من مُقْلتيْه وتارةً ... من وَجْنتيْه وتارةً من رِيقِهِ
ومن مقطعاته قوله:
مَليكُ جمالٍ أنْبت العزُّ خدَّه ... نباتاً له كلُّ المحاسنِ تُنسَبُ
فكرَّرتُ لَثْمَ الخدِّ منه لطِيبِه ... وكل مكانٍ يُنبتُ العِزَّ طيِّبُ
وقوله، مضمناً:
ومُعذَّرٍ لَدْنِ القَوامِ ووجهُه ... قمرٌ تقمَّصَ بالعِذارِ الأخْضَرِ
فُتِق العِذارُ بخدَّه فكأنما ... فُتِقتْ لكم رِيحُ الجِلادِ بعَنْبَرِ
وقوله:
عجبتُ لِمَا أبْداه وجهُ مُعذِّبي ... من الحسنِ كالسحرِ الحلال وأسْحَرُ
بوجْنتهِ ياقوتُ نارٍ توقَّدتْ ... عليها عِذارٌ كالزُّمُرُّدِ أخضرُ
وقوله:
ومُعذَّر فَتَك الأنامَ بحُسْنِه ... وسطَا بمُرْهَفِ لَحْظِه المُتنعسِ
جعل العِذارَ لشامِه مُتنكِّراً ... كيْلا يُحاط به لقتْلِ الأنْفُسِ
وقوله:
لمَّا تأمَّل بدرُ التِّمِّ عارضَه ... وقد بدا في مُحيَّا نورِه سَطَعَا
بدَا به غَيْرةً خَسْفٌ وشبَّهه ... كأنه في مُحيَّاه قد انْطبعَا
وقوله:
ومُهَفْهَفٍ كمُلتْ محاسنُ وجهِه ... من فوق غصنِ قَوامِه المُتمايلِ
وبدا طِرازُ عِذارِه فكأنَّه ... بَدْءُ الخسُوفِ ببَدْرِ تِمٍّ كاملِ
[ولده أبو السعود]
هو في الميلاد سليله، وفي البراعة مقدمه ودليله.
طلع طلوع الزهر من الكمامة، فتهادته أبناء عصره تهادي الشمامة.
ينشد الأدب من خصاله، كما ينشد الأنس من وصاله.
وله شعر أوقع في النفس من رجعة الشباب، وأسوغ من سلافة الكأس طفى عليها الحباب.
أثبت منه ما يقع موقع الماء من ذي الغلة، ويفرح فرح الشفاء لصاحب العلة. فمنه قوله، من قصيدة:
أجَلْ إنها الآرامُ شِيمتُها الغدْرُ ... فلا هجرُها ذَنْبٌ ولا وَصْلُها عُذْرُ
ففُز سالماً من فَرْطةِ الحبِّ واتَّعِظْ ... بحالِي فإن الحبَّ أيْسرُه عسرُ
وقد هاجَنِي في الأيْكِ صَدْحُ مُغرِّدٍ ... به حلَّتِ الأشجانُ وارْتحل الصبرُ
يُذكِّرني تلكَ الليالي التي مضتْ ... بلَذَّةِ عيْش لم يشُبْ حُلْوَهُ مُرُّ
سُقِيتِ ليالِي الوصلَ مُزْنَ غَمامةٍ ... فقد كان عيشِي في ذَراكِ هو العمرُ
فكم قد نعِمْنا فيكِ مَعْ كلِّ أغْيَدٍ ... رقيقِ الحواشِي دون مَبْسمِه الزَّهْرُ
لقد خَطَّ ياقوتُ الجمالِ بخدِّه ... جداولَ من مِسْكٍ صحيفتُها الدُّرُّ
منها:
وروضٍ بها جَرَّ الغَمامُ ذُيولَه ... فخرَّ له وَجْداً على رأسِه النهرُ
وقد أرْقدَ الأغصانَ تغْريدُ وُرْقِه ... وأضْحك ثغرَ الزَّهرِ لمَّا بكى القَطْرُ