هيهات أنْجُو سليماً ... من بعد خَطِّ عِذارِكْ
وخالُك الخال غالٍ ... لوقْعةٍ في نُضارِكْ
وثغرُك العذبُ فيه ... لنا غِنىً عن عُقارِكْ
وقَدُّك الغُصْنُ لكن ... لا يُجْتنَى من ثمارِكْ
أنت الذي ما رأيْنا ... في حُسنِه من مُشارِكْ
فارفُق بصَبٍّ عليلٍ ... أفْناه بُعْدُ مَزارِكْ
إلى متَى تتْرُكَنِّي ... أرْعَى نجومَ انْتظارِكْ
وكم على ليلِ ضَعْفِي ... تسْطُو بجَوْرِ نهارِكْ
إن كان يُرضيك قتْلي ... عَمْداً بحُسْن اخْتيارِكْ
فذَاك صَبٌّ عمِيدٌ ... في ساحةِ الذلِّ بارِكْ
ولم يزلْ في التَّصابِي ... بالصبرِ فيك يُعارِكْ
عسى يلُوح صَباح الرِّ ... ضَا له من ديارِكْ
وتشمل الصَّبَّ قُرْباً ... من بعد طولِ ازْورارِكْ
فجُدْ وسامحْ وواصِلْ ... واعطِفْ وعجِّل ودارِكْ
[صالح بن نصر الله المعروف بابن سلوم]
رئيس الأطباء للسلطان محمد ونديمه الذي صح به تركيب الزمان، ووفى له الأمل بالضمان.
تقدم في حلبة النبلاء بحلب، ودر له ضرع الأماني فحلب.
طالما وفى العيش حقه بمنادمة يهتز لها مرحاً عطف الشباب، وسقى السمع كأس محاورة ترقص السامعين رقص الحباب.
حتى تقضقض آبنوسه، وأشرف عناه وبوسه.
فأنف الإقامة في حيه وربعه، ودعاه إلى الرحلة حب الرياسة المركوز في طبعه.
فرحل إلى دار السلطنة العالية، وحل منها محل العافية من الأبدان العافية البالية.
واتفق إثر وصوله وصول خبره للسلطان فاستدناه، وصيره رئيس أطبائه وندمائه فبلغه من وفور الجاه ما يتمناه.
وتبدلت نحوسه سعودا، وأنجز له الدهر الضنين وعودا.
فأبرز من نفيس صنعته ما لم تتنفس به لهوات ابن النفيس، وشفى عليل صدور الملهوفين ولا بدع ف " الشفاء " للرئيس.
وبالجملة فجمل فضائله مما تقصر عن وصفه جمل العبارات، وإذا وقعت لذات الفضل إشارات فلذلك الرئيس تلك الإشارات.
وله في الأدب روايةٌ طال بها باعا، ودرايةٌ أبرأ بها من مرض الزمان قلوباً وطباعا.
ولم أقف له إلا على بيتين أجد معناهما، ولم تتمتع أذن سامعٍ بغيرهما في معناهما.
وهما قوله:
سقانيَ مَن أهوَى كلوْنِ خدودِه ... مُداماً تُرِي سرَّ القلوب مُذاعَا
ومُذ شبَّب الإبريقُ في كأسِ حانِنا ... أقامتْ دراويشُ الحَباب سَماعَا
[مصطفى الزيباري]
هو في هذه لحلبة، كالعقد النفيس في اللبة.
وله جامعية فنون تربو على الحصر، وفضائل لا يستطيع جحودها نبهاء العصر.
لكنه أتى الدهر وقد هرم ن فلم يترو زهير روضه بمثل ندى هرم.
فهو يشتكي زمناً بعيد الإحسان، لا يستجلبه ولا دعوة الغيد الحسان.
وينظم الشعر لا فاقة، ما له منها إفاقة.
بجدٍ أمضى من النصل، وهزلٍ أحلى من الوصل.
وقد ذكرت له ما يستلذ وصفه الوصاف، والقول له أنه غايةٌ في بابه من الإنصاف.
فمنه قوله، من قصيدة يمدح بها البهائي:
هي الشمسُ إن حيَّى بها الأوطَفُ البَدْرُ ... فخُذْها هنيئاً لا مَلامٌ ولا وِزْرُ
دهاقاً دَهاقاً غيرَ عانٍ فإنها ... إذا صافحتْ ذا عُسْرةٍ حَلَّه اليُسْرُ
ولا تخْشَ إمْلاقاً فإن حَبابَها ... فرائدُ ياقوت وذائبُها تِبْرُ
ولا تعتبرْ قولَ المُعيبين صَحْبَها ... فأَتْرابُها زُهْرٌ وأكوابُها زَهْرُ
وقُل لمدير الرَّاح سِرَّاً وجَهْرةً ... ألا فاسْقِنِي خَمْراً وقل لي هي الخمْرُ
ومكْسُولةِ الألْحاظ معْسولةِ اللَّمَى ... تَخال بها قَطْر النَّباتِ ولا قَطْرُ
لها لَحظاتٌ تسلُب اللُّبَّ والحجَى ... وما فارقتْ جَفْناً وهذا هو السحرُ
وجيدُ مَهاةٍ بل غزالٍ كأنه ... عَمُود لُجَيْنٍ فوقه بَزَغَ البدْرُ